وكان نزوله أولاً بمنزل تلميذه الشاب الشيخ عبدالصادق ابن قويرة باوزير، ولقي من الترحيب وحسن الاستقبال من المشايخ آل باوزير ما لعله أنساه الذي لاقاه في بلده.
ومن حب المشايخ آل باوزير له زوجوه إحدى بناتهم.
وفي الليلة الأولى من وصوله ألقى العلامة ابن سلم محاضرة في المسجد الجامع، واستمرت هذه المحاضرات والمذاكرات الليلية مع العامة.
أما تلميذه البار فقد وفى لشيخه ما وعده به، فجمع له طلاب العلم من مختلف شرائح المجتمع، حتى كان منهم الكفيف.
ذلك الشاب الذي كان السبب في انتقال المترجم له إلى الغيل، وإليه يرجع الفضل – بعد الله – في الثمار التي جنتها الغيل بل والساحل الحضرمي من وجود المترجم له، نسأل الله أن يُجري عليه ثواب ذلك.
وبدأ العلامة ابن سلم يبث دعوته وعلمه، محسنا إلى الطلبة، مرغبا لهم في العلم، متألفا لهم وللعامة، غامرا الكل بحسن أخلاقه وكريم إحسانه.
وكان وقته مقسما إلى قسمين: القسم الأكبر يجعله مع الطلبة، والقسم الآخر مع عامة الناس في المسجد.
وكان تدريسه صباحا في بناية مخصصة للتعليم بالقرب من مسجد السيد عمر، وكانت تأتيه مساعدات مالية وغذائية من تجار الغيل والمكلا.
بناء الرباط:
وبدأ يفد إليه الطلاب، وتكثر أعدادهم، حتى ضاق بهم المكان المخصص لذلك، فاشترى العلامة ابن سلم قطعة أرض بالقرب من المسجد الجامع في الجهة الغربية الشمالية، وبناه طابقين، جعل الطابق العلوي منه مسكنا يتكون من عدة غرف لإيواء الطلبة الغرباء الوافدين للدراسة بمعهد الرباط. والطابق السفلي لإلقاء الدروس وإقامة الصلوات، وجعله رباطا علميا، ومعهدا شرعيا، يضاهي الأربطة في حضرموت، بل يتفوق عليها بكون شيخها متخرجا من الجامع الأزهر، ومجازا من شيوخ وأعلام مصر، مع تفننه في العلوم، وامتلاك آلاته.
وابتنى له مسكنا ملاصقا بالرباط من الجهة الغربية، وجعل ما تبقى من القطعة من جهة الشمال مزرعة لينتفع بها الطلاب، وكان هو بنفسه يتعهدها مع المزارع التي أوكل إليه القيام بشأنها.
وقد ساهم أهالي غيل باوزير في بناء هذا الصرح التعليمي الديني وكانوا يرددونه أبيات قالها احدهم عند العمل الطوعي (السخرة) في هذا المشروع وهو شاعر الغيل المعروف سعيد قشمر قائلاً
يقول بو عامر با أبني لي في الحياة مكان ... ياريت هذا الشيخ يتفضل يعلمنا القرآن
وكان افتتاح هذا المعهد الشهير في مطلع سنة 1320هـ، وأصبح يعرف باسم (رباط العلامة ابن سلم).
وتم تقسيم الطلبة إلى مجموعات حسب مستوياتهم.
"وقد وُفِّقَ ابنُ سِلْم إلى الغاية في بِنَاءِ الرِّباط، وهو أوَّلُ رباط في جهة السَّاحل افتتح
... واشتهر صيته وذاع، وأقبل عليه الطُّلاب من كل البقاع.
وكان [ابن سلم] رحمه الله لديه همَّة عالية في التَّدريس، والإفادة، ونفع النَّاس، وكان مواظباً على ذلك صابراً للطَّلَبة محتسباً للخاص والعام؛ مع ما ينقل عنه من كثرة الصوم، وقيام الليل".
قال الملاحي عن الرباط: "فاشتهر هذا الرباط حتى قصده الطلاب من الأقطار النائية، مثل اليمن والصومال، وصار أبناء الشحر بعد ذلك يفدون إليه لطلب العلم، منهم: عالم الشحر السيد عبدالله بن عبدالرحمن، والسيد زين العيدروس، وهما من أبناء ذوي المناصب والجاه".
فانظر كيف ساق الله إليه أبناء بلده بعد أن كانوا ينفّرون الطلاب عنه بها.
ومما ساعد على استمرارية هذا الرباط والاقبال عليه = التكفل بنفقات الطلبة واحتياجاتهم، فقد كان المترجم له "يجود عليهم بالغذاء واللباس والدراهم من ماله الخاص، وبما يأتيه من التبرعات والصدقات من التجار وأهل الخير من نقود وتمور وطعام ولباس".
قال الأستاذ محسن باعلوي في "بر الولد":
" وقد ابتدأ الشيخ ابن سلم القراءة في الرباط في شهر محرم سنة (1320هـ).
ووجدت على طرة بعض كتب الجد ما نصه: ((فاتحة صفر 1320) ابتدأنا القراءة في الإعراب على الشيخ محمد بن سلم)) ".
ولم تقتصر دعوته على غيل باوزير فقط، بل كان يتخلل ذلك رحلات كثيرة ومتكررة إلى الشحر والمكلا والقرى المحيطة بهما للوعظ ونشر الدعوة، بل زار حضرموت مرة أخرى. ولعله كذلك يتعاهد ضواحي الغيل وقراها، فقد ذكر عنه أنه كان يصلي الجمعة في النقعة.
ابتلاء العلامة ابن سلم بالمناوئين لدعوته:
¥