في المتوسطة والثانوية عُرفت بالمشاكسة والشغب، كنت لا أدع إنساناً إلا وأحببت أن يكون لي معه موقف سلبي بمشاجرة أو بمضاربة، كانت مرحلة تصبغها الإثارة والحركة لكنها كانت في غير فائدة. إلا أنه في المرحلة الثانوية في الصف الثالث انضممت إلى جمعية التوعية الإسلامية وكانت بداية الخير، ثم في دراستي في جامعة الرياض بدأ الالتزام الجاد والالتحاق بدروس العلم، وفيها أيضاً صرت مؤذناً لجامع السكن الجامعي محتسباً ثم أصبحت إماماً ومع نهاية الدراسة الجامعية أتممت حفظ القرآن الكريم.
باختصار .. حياتي كانت كلها دروس وعبر، حتى لعبي ومشاكسي استفدت منها دروساً، لقد رأيت في حياتي الحلو والحامض والمفرح والمحزن والمضحك والمبكي، والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.
# فضيلة الشيخ: مسيرتك في طلب العلم الشرعي كيف كانت؟ وهل عايشت تحولات منهجية أو نوعية من فن إلى فن في فترة الطلب؟ نريد أن نلقي الضوء على المنهج الذي سرت عليه في طلبك للعلم ..
لا شك أن الطالب في باكورة طلبه لا بد أن يمر بمدرسة التجربة ويخوض غمار الواقع، وهو حيث يضع نفسه فإن كان عالي الهمة فإنه لاشك لا يرضى بدون شواهق الكمالات ..
ومن تكن العلياء همة نفسه ... فكل الذي يلقاه فيها محبب
ومن طلب العلياء وابتغاها ... أدار لها رحى الحرب العوان
فهو حينئذ سيذهب يطلب عالي الإسناد، وقوة المنهج، ولو تَبدَّى له صعوبة الطريق، ووعورة السير، وغرابة المسلك، ومخالفة الأقران، وربما مخالفة المنهجية السائدة في مجتمعه الصغير. وأما من كان ضعيف الشخصية ساذج البصيرة محبوس الفكر فإنه لن يطمح إلا إلى ما دون مدِّ بصره، وهذا مثله ليس أهلاً لطلب العلا ..
دع المكارم لا ترحل لبغيتها ... واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي
كانت بدايتي مع هذه المتون التي نسجها الناس، فحفظت اثنا عشر متناً في مختلف الفنون من لغة وفقه وعقيدة وفرائض .. ولكن مع الأسف .. لم أجد ضالتي التي أنشدها وبغيتي التي أطلبها، كانت المتون لها بريق يطيح بمن لم يغُص في حقيقة الأمر، ولها زخرفة تستهوي بسيط التفكير، وما هي بالنسبة لمتون الوحيين إلا كنسبة المن والسلوى إلى القثاء والثوم والبصل والعدس. فكانت آمالي وتطلعاتي أكبر من ذلك، فَهُديت بحمد الله إلى حفظ المتون النبوية التي نسجها سيد الناس وأفصحهم وأبلغهم .. أحاديث النبي r . وطفقت أُقَلِّب ناظريَّ وأجيل فكري في صفحات كتب السنة ومسانيدها المعتمدة .. في صحيحي الشيخين ومسند أحمد وسنن الأربعة وغيرهم، وقلت في نفسي: أولئك أساتذتي وقدوتي وعلمائي .. فعشتُ في رحاب الوحيين وصبغت نفسي بصبغتهما، والحمد لله الذي بهداه اهتدينا ..
وبلا شك انضم إلى هذا دروس أحضرها في أكثر من فن، كان من أبرزها دروس في شرح السنة والتفسير والمصطلح والفقه والعقيدة والفرائض واللغة أخذتها عن أهلها الأثبات الثقات على ما هي الجادة المطروقة في طلب العلم أعني تلقي العلم عن الأشياخ وثني الركب في مجالسهم وحلقاتهم حتى لا يدخل المرء في قولهم:"من طلب العلم وحده خرج منه وحده".
# في نقاط واضحة .. ما هي معالم منهجك في طلب العلم التي سرت عليها وتربي عليها طلابك؟
معالم المنهج الذي سلكته على قسمين:
(1) - معلم الحفظ والاستظهار
(2) - معلم الفقه والقراءة
الأول: معلم الحفظ والاستظهار: وهو في مجمله يعني الاشتغال بحفظ المتن عن ظهر قلب إلا أن الحفظ يهتم بضبط المادة المحفوظة بلفظها،أما الاستظهار فإنه يهتم بحفظ المعنى والمحتوى.
والمتون المختارة لهذا المعلم هي مرتبة على النحو التالي:
1 - الجمع بين الصحيحين (حفظ)
2 - زيادات السنن الأربعة والدارمي والموطأ (حفظ)
3 - زيادات المسانيد الثلاثة عشر (حفظ واستظهار)
4 - زيادات الصحاح: ابن خزيمة وابن حبان والحاكم (حفظ)
5 - زيادات المعاجم الثلاثة (حفظ واستظهار)
6 - زيادات مصنف عبد الرزاق وابن أبي شيبة وسنن البيهقي (استظهار)
7 - زيادات سنن سعيد بن منصور وسنن الدارقطني (حفظ واستظهار)
8 - زيادات الأدب المفرد للبخاري والزهد لابن المبارك ووكيع وأحمد (حفظ واستظهار)
¥