وتظهر من هذه القائمة عنايته الظاهرة بالمنجز التراثي في علم اللغة، وإدراكه الواضح للارتباط العضوي بين دراسات علم اللغة والقرآن الكريم بقراءاته المختلفة وما هو ما يظهر في (1، 2) فضلاً عن تقديره الواضح لما قدمه علماؤنا من خدمة اللسان العربي، وهو ما تجلَّى في تعليقاته وتحليلاته لعدد من عيوب مذاهبهم وآرائهم ومصنَّفاتهم على ما يظهر في (5، 6، 8)، ثم عنايته بالتواصل من المنجز العصري وما توصلت إليه المنهجيات المعاصرة في خدمة علم اللغة، وهو ملمحٌ أصيلٌ في الاتجاه الذي تمثله المدرسة الفكرية العربية الإسلامية المنتمية؛ التي لا تتنكَّر للتراث، ولا تهمل المنجز الحديث، وهو ما نراه واضحًا في (7، 9، 10).
على أن التدليل على مسألة انتمائه للمعرفة الإسلامية من بوابة خدمته لعلوم اللسان العربي تظهر- بالإضافة إلى ما مرَّ دراسات توصل لهذا المنحنى- في دراسات أخرى تظهر هذا الوجه على صورة صريحة لا تخطئها عين دارس لجهود عبده الراجحي في هذا الميدان، وهو ما نلحظه في المقالات العلمية (وهي بحوث مطولة):
أ- النحو العربي وأرسطو، اليونان 1979م.
ب- التراث العربي ومناهج علم اللغة، الرباط 1981م.
ج- التحيز في الدرس اللغوي، وهو واحدٌ من أهم بحوث الكتاب الجامع عن إشكالية التحيز، الذي حرَّره المرحوم عبد الوهاب المسيري.
هذه الثلاثة، مع ما سبق الإشارة إليه هنا، دليلٌ قاطعٌ على الروح الإسلامية التي حكمت توجهات عبده الراجحي الإسلامية.
ثانيًا: الكتب العلمية في ميدان تيسير تعليم العربية لأبنائها ولغير أبنائها .. وهناك ملمحٌ أصيلٌ ظاهرٌ جدًّا على عطاء الدكتور عبده الراجحي العلمي، وهو إسهامه المتميز في ميدان تيسير تعليم العربية، وهو يترجم عنه بكتابيه الشائعيْن: التطبيق النحوي والتطبيق الصرفي، وهما (3، 4) في البند (أولاً)، وهو الأمر الذي واصل خدمته تأليفًا في كتابه رقم (10)، بالإضافة إلى ترجمته كتاب (أسس تعليم اللغات وتعلمها)، الذي نشره سنة 1994م، ثم عاد ونشر منه فصلاً مستقلاًّ في كتابه فصول في علم اللغة 1999م، بالإضافة إلى بعض بحوثه في الميدان نفسه، من مثل بحثه (النحو في تعليم العربية لغير الناطقين بها)، ماليزيا 1990م.
ثالثًا: مصنفاته في خدمة الفكرة الإسلامية والعربية .. ومن الحق أن نقرر أنه صحيح أن الدكتور عبده الراجحي عُرف أستاذًا مرموقًا لعلم اللغة في غير ما ميدان من ميادينها، وهو الوجه البارز المعلن لكل من عرف جهاد الراحل الكريم.
ولكن وجهًا آخر زامن بداياته العلمية، تمثل في خدمته للفكرة العربية والإسلامية الساعية إلى تأصيل الهوية، ولا سيما في حقبة تاريخية كان الصراع فيها مع الصهيونية العالمية شديدًا وعنيفًا، وهو ما يمكن أن نلحظه في كتابيه:
أ- الشخصية الإسرائيلية، وهو الذي ظهر بعد أعقاب هزيمة يونيه 1967م، ونشرته دار المعارف بالقاهرة 1968م.
ب- عبد الله بن مسعود، طبعة دار الشعب 1970م.
وهذان المثالان يُظهران الوجه الحقيقي الذي لم يختفِ للمرحوم الدكتور عبده الراجحي رحمه الله، عالمًا لغويًا منتميًا ومتميزًا، ومفكرًا عربيًا وإسلاميًّا، أنتج ما يدل على اشتباكه مع واقع أمته في غير ما لحظة حرجة من تاريخها المعاصر.
عبده الراجحي .. إنسانية راقية
والذين يعرفون الراحل الكريم يقدِّرون فيه أبوَّته الحانية، وإنسانيته المتدفِّقة، يعرفها كل من تعامل معه، أو عاش في الجو والوسط الجامعي المصري، ومما يُعرف عنه حَدَبه وحنوّه مثلاً على الدكتور الطناحي أيام أزمة ترقِّيه أستاذًا، حتى كتب- وقد كان أحد فاحصي إنتاجه- إنه يقف من أعمال الطناحي (وهو الطالب المتقدم للترقية) موقف التلميذ الذي يتعلم (وهذا موقف أستاذ يحكم)، وهو نبلٌ نادرًا ما نقف على مثال له.
ولقد عرفته أنا شخصيًّا من نحو خمس عشرة سنة، وتوطدت علاقتي به من يوم أن ناقشني لدرجة الدكتوراه، وقد كان حفيًّا ودودًا منقذًا من بعض الشر الذي أريد لي.
¥