[وداعا صديق العمر ورفيق الدرب عبد العظيم الديب بقلم الدكتور يوسف القرضاوي]
ـ[أحمد بن عباس المصري]ــــــــ[12 - 01 - 10, 03:21 ص]ـ
وداعا صديق العمر ورفيق الدرب
العلامة المحقق والداعية المربِّي عبد العظيم الديب بقلم - د. يوسف القرضاوي / 11 - 01 - 2010
د. عبد العظيم الديب
أفي كلِّ حين لي حبيب أودِّع؟ .. فلا أنا أقفوه ولا هو يرجع!
لقد ودَّعَنا صباح الأربعاء الماضي، 20 من المحرَّم 1431هـ الموافق 6 يناير 2010م، أخ ولا كل الإخوان، وصديق ولا كل الأصدقاء، إنه صديق العمر، وشقيق الروح، ورفيق الدرب، وزميل الدراسة والدعوة، وصاحبي في الشباب والكهولة والشيخوخة، إنه أخي الحبيب عبد العظيم الديب.
لقد ودَّعَنا فجأة وبدون إنذار ولا مقدِّمات، بل مات في صمت، كما عاش في صمت، رحمه الله، وفقدت الأمة الإسلامية، والدعوة الإسلامية، والدراسات الإسلامية، فحلا من فحول العلم، وعَلَمًا من أعلام الأمة، ورائدا من روَّاد الدعوة والتربية بحقٍّ.
لقد تلاقينا منذ حوالي ثلثي قرن من الزمان، في المعهد الديني في طنطا، ونحن في مقتبل العمر، وريعان الشباب، وجمعتنا الدراسة الأزهرية، كما جمعنا الانضمام إلى دعوة الإخوان المسلمين، والتتلمذ على إمام الجماعة في طنطا الداعية الكبير الشيخ البهي الخولي، الذي كنا نلتقي عنده بعد صلاة الفجر من كلِّ أسبوع، في حلقة أطلق عليها كتيبة (الذبيح)، إشارة إلى إسماعيل عليه السلام، الذي قال له أبوه: {يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ} [الصافات:102].
ولعل كثيرا من الناس لا يعرف مَن هو عبد العظيم الديب، لأنه لم يكن ممَّن يظهرون على الشاشات، ولا يتعرَّضون للأضواء.
عالم عامل مُعلِّم:
إنه أحد العلماء (الربانيين) في هذه الأمة، والرباني - كما فسَّره السلف - هو الذي يَعْلم ويعمل ويعلِّم، فهو يجمع بين الأمور الثلاثة: العلم والعمل والتعليم. وقد قال تعالى: {وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ} [آل عمران:79].
أما علمه، فقد شهد له به شيوخه، وشهد له به إخوانه، وشهد له به تلاميذه، وشهدت به آثاره التي خلَّفها، تأليفا وتحقيقا.
وفي شهادة أساتذته، نقل الأخ الدكتور علي السالوس زميل الديب في دار العلوم: أن المشرف على رسالة الديب للدكتوراه، الأستاذ الجليل الدكتور مصطفى زيد، قال بعد مناقشة الرسالة: إن هذه أفضل رسالة قُدِّمت إلى دار العلوم، لا أستثني رسالتي (رسالة الدكتور زيد نفسه).
وقد لقيتُ الدكتور زيدا يوما بالمدينة، وهو أستاذ معار إلى جامعتها، وكان أول مَن سألني عنه، وحمَّلني السلام إليه، هو عبد العظيم، الذي أصبح صديقا من أقرب الناس إلى أستاذه.
ولثقتي بعلمه وفقهه وأصالته، كنتُ في كتبي المهمَّة، أعرضها عليه، وأطلب إليه أن يقرأها، ويبدي رأيه فيها، ويُعمل قلمه في شطب ما يرى، أو إضافة ما يرى كذلك.
وأما عمله فقد شهد له كلُّ مَن عرَفه، وكلُّ مَن عايشه - وأنا منهم - أنه كان طوال حياته رجلا عاملا لا عاطلا، وجادًّا لا هازلا، وبانيا لا هادما، يُعطي قبل أن يأخذ، ويضحِّي قبل أن يستفيد، وإذا عمل أتقن، وإذا قال أحسن، يقول ويفعل، ويَعِد وينجز، ويعاهد فيوفِّي، ويؤتمن فيؤدِّي.
وكان رحمه الله عفَّ اللسان، لا يسيء إلى أحد في حضرته، ولا يذكر أحدا بسوء في غيبته، فقد شغله الحقُّ عن الباطل، وشغله العلم عن الجهل، وشغله الإيمان عن اللغو، وقد قال أبو الطيب:
وأكْبِرُ نفسي عن جزاءٍ بغيبةٍ .. وكُلُّ اغتيابٍ جهدُ من لا له جهدُ
وقد وصف الله المؤمنين بقوله: {وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ} [المؤمنون:3].
وكان إذا وكِّل إليه عمل استفرغ فيه جهده، ووفَّى له حقَّه، صغيرا كان كالاشتراك في لجنة، أو كبيرا كرئاسته لقسم الأصول والفقه، الذي قام به حقَّ القيام، متعاونا مع كلِّ إخوانه.
ولما وكِّل إليه إنهاء الكتاب الذي تكفَّلت به (كلية الشريعة)، بمناسبة بلوغي السبعين: أخرجه خير إخراج، متعاونا مع بعض المخلصين من زملائه.
¥