وبعد كل هذه التعريفات ننتهي إلى أن السخرية سلاح يزادا انتشارا كلما قلت الحرية، تعكس صورة الواقع بجماله وقبحه وهي فن راق يبعث على الضحك؛ الضحك المرير، ولا أحسبه ينتج إلا عن الكبت وتقييد حريات التعبير، والأدب الساخر هو تصوير لمعاناة تبعث على الضحك والبكاء في آن معا لما يحفها من سخافة وتناقض، ولا ينبع هذا الأدب إلا عن نفس هادئة حساسة متأملة قادرة على أن تصوغ الحرف سكينا، وقادرة على إرسال كلمات مشفرة يفهمها ملايين القراء الأوفياء
ـ[بَحْرُ الرَّمَل]ــــــــ[07 - 09 - 2008, 02:06 م]ـ
أحسنت لقد زدت الموضوع ألقا .....
ـ[آمال الجزائر]ــــــــ[07 - 09 - 2008, 04:54 م]ـ
هذا من فضل ربي
شكرا أستاذنا الفاضل.
سأحاول اضافة ماتيسر لي في الموضوع.
ـ[آمال الجزائر]ــــــــ[07 - 09 - 2008, 05:19 م]ـ
وفن السخرية لا يقتصر على الكتابات الأدبية والشعرية، إذ ردت مادة "س خ ر" في القرآن الكريم ست عشرة مرة بمختلف تصريفاتها، وهي في معظمها تصور مواقف سخرية المشركين من المؤمنين أو الرد على سخرياتهم، وللسخرية وقع في النفس وشدة فتك بالإنسان؛ لذلك استخدمها الكفار مع ما استخدموا من أسلحة أخرى، فإذا عرفنا هذا أدركنا السر الذي يكمن وراء تهديد الكفار بمثل السلاح الذي آذوا به المؤمنين، ليكون ردعا لهم، كما هددهم الله تعالى بالسخرية بهم في الآخرة كما فعلوا هم في الدنيا، وهذا أنكى عقاب.
قال تعالى: ?زين للذين كفروا الحياة الدنيا ويسخرون من الذين آمنوا و الذين اتقوا فوقهم يوم القيامة والله يرزق من يشاء بغير حساب?? وقال أيضا:?فاتخذتموهم سخريا حتى أنسوكم ذكري?، وقال جل وعلا:?أن تقول نفس يا حسرتي على ما فرطت في جنب الله و إن كنت لمن الساخرين?، وقال أيضا:?قال إن تسخروا منا نسخر منكم كما تسخرون?.
كما وردت المضامين الساخرة في القرآن الكريم، والتي قد يعجز البعض عن فهمها، لأنها تستدعي كثيرا من الدهاء والتركيز، وجاءت بطرق عدة، كإخراج اللفظة من مدلولها إلى مدلول آخر، كذكر التهديد بلفظ التبشير كما في قوله تعالى:?بشر المنافقين بان لهم عذابا أليما?، ?وبشر الذين كفروا بعذاب أليم ?، ? وبشرهم بعذاب أليم ?.
فالبشارة تستعمل في الخير ,أما في الشر فتستعمل لنكتة بلاغية هي إرادة السخرية.
يقول محمد سيد طنطاوي في? بشر المنافقين .. ? التعبير بقوله: بشر بدل انذر أو أخبر للتهكم بهم، أي انذر يا محمد أولئك المنافقين الذين اظهروا الإسلام وأخفوا الكفر بالعذاب الأليم، وسق لهم هذا الإنذار بلفظ التبشير على سبيل التهكم بهم والاستهزاء بعقولهم في مقابل تهكمهم بالإسلام، أو ذكر الإيعاد بلفظ الوعد، كقوله تعالى: ? وعد الله المنافقين والمنافقات والكفار نار جهنم ? فهنا توعدهم بالنار, وجاء ذلك بلفظ الوعد.
كما ورد التهديد بطريقة تهكمية، كقوله تعالى: ? وجعل لله أندادا ليضل عن سبيله قل تمتع بكفرك قليلا إنك من أصحاب النار?، قال الزمخشري: "كأنه قيل له إذ قد أبيت قبول ما أمرت به من الإيمان والطاعة، فمن حقك أن لا تؤمر به بعد ذلك". وفي قوله تعالى: ?ذق إنك أنت العزيز الكريم? سخرية أيضا، إذ كيف يكون الإنسان هو "العزيز الكريم" وقد عتل "إلى سواء الجحيم" وصب فوق رأسه "من عذاب الحميم"؟ يقول الزمخشري: "هذا على سبيل الهزء والتهكم بمن كان يتعزز ويتكرم على قومه". وكمضمون تهكمي ساخر قوله تعالى: ? فاهدوهم إلى صراط الجحيم ? فالهداية تكون إلى طريق الخير، إلى الطريق المستقيم، لا إلى الجحيم. قال الزمخشري: "فاهدوهم: فعرفوهم طريق النار حتى يسلكوها، تهكما بهم وتوبيخا لهم بالعجز عن التناصر بعدما كانوا على خلاف ذلك في الدنيا، متعاضدين متناصرين".
وقد وردت السخرية كذلك على لسان الأنبياء والمرسلين، كقوله تعالى على لسان سيدنا إبراهيم عليه السلام: ?قالوا أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم قال بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم إن كانوا ينطقون? ... ?ثم نكسوا على رؤوسهم لقد علمت ما هؤلاء ينطقون? فإجابة سيدنا إبراهيم عليه السلام فيها نوع من الإغاظة التي هي أوقع أثرا من السهام، قال الزمخشري: "هذا من معاريض الكلام ولطائف هذا النوع لا يتغلغل فيها إلا أذهان الراضة من علماء المعاني، والقول فيه أن قصد إبراهيم عليه السلام لم يكن أن ينسب الفعل الصادر عنه إلى الصنم وإنما
¥