تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>
مسار الصفحة الحالية:

و جوانب هذه العبقرية كذالك الحقد على الجنس البشري أو الآدمية. و من الشروط العبقرية (وهذا باب آخر) التغزل بالأنثوي الأبدي. و ربما وجد صاحبنا هذه الأبيات عندما نقل و سرد:

للمليك المذكرات عبيد ---- وكذاك المؤنثات إماء

فالهلال المنيف والبدر والفرقد ---- والصبح والثرى والماء

والثريا والشمس والنثرة ---- والضحى والسماء

أو ربما ذكره لحواء و على أشكال الذكر كان هو ذاته غزلا.

و نفس الشيء بالنسبة الرأفة بالحيوان. لم يكن ذالك من تواضع أو من إحساس مرهف و لكن يناقض الشريعة المعروفة و يحرم كل هو ليس نباتي على نفسه و ربما من اعتقاد لا حق للإنسان على الحيوان.

و إن الاعتداء على خلق الله أيا كان هو "شر" في منظوره. ترى الكثير من شعره ما يلوم طبع الخلائق و طبع الدهر عليها من جعْل غُنى عبد يفرض فقر عبد آخر. أو أن الضرغام قد أُعطى من تركيبة لا محالة له إلا اصطياد و قتل الفريسة. و يعود و ينبه أن الشر طبع مطبوع من الخارج (الدهر؟) على الدنيا (أو الكون).


الدين و المعري: "كدينك من أم الحويرث"

معنى الزندقة والإلحاد معنى غامض: فليس إلحاد المفكر في العصر العباسي كمعنى الإلحاد في المفهوم الأوروبي في القرن التاسع عشر. لم ينكر المعري الخالق و لم ينكر الرسالة المحمدية (ربما فعل مرة و كانت من شطحات تنكره من الأديان فنكر القرآن:

أُمورٌ تَستَخفُّ بها حُلومٌ، ---- وما يَدري الفتى لمن الثُّبورٌ
كتابُ محمّدٍ، وكتابُ موسى، ---- وإنجيلُ ابنِ مَريمَ، والزّبور).

و الشطحات ليس من الشك إنما هي "شطحة" و لوّم.

الدين بمفهوم المعري هي ديانة العامة و هو تقليد الآباء و المجتمع. و «الناس علي دين ملوكهم» (عاشوا، كما عاشَ آباءٌ لهم سَلَفوا، ---- وأورثُوا الدّينَ تقليداً، كما وَجَدُوا) و كذالك الدين في مفهوم آخر للمعري هي الديانة الإبراهيمية المتحاربة عقائديا مع أن الله عز و جل قد شرعهن كلهن. و انه يلوم الخالق (بنفسه اللوامة) من تناقض و إستنفار أحقية اليهودية و النصرانية و الإسلام من بعضهم:

في اللاذقية ضجةٌ ما بين أحمد والمسيح
هذا بناقوس يدق وذا بمئذنة يصيح
كل يعظّم دينه ياليت شعري ما الصحيح؟

و

ومتى ذكرتُ محمداً وكتابَهُ، ---- جاءَتْ يهودُ بجحْدِها وكِتابِها

و مع أن القرآن فيه: (وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِندَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللّهِ) من المائدة:43

أو أن الديانات عل نفسها تتناقض و يتجرأ أفرادها عليها:

غدا أهلُ الشّرائعِ في اختلافٍ، ---- تُقَضُّ به المَضاجعُ والمُهود
فقد كذَبَتْ على عيسى النّصارى، ---- كما كذَبتْ على موسى اليَهود

أو

أو أنه ينتقد الدين و كل الأديان و مفهوميه الدين من مفهوم تاريخي إنه مجرد وسيلة لتصنيف و ترويض الرعاع:

أفِيقوا أفِيقوا يا غُواةُ! فإنما ---- دِياناتكمْ مكرٌ من القُدَماء
أرادُوا بها جَمعَ الحُطام فأدركوا ---- وبادوا وماتتْ سُنّةُ اللؤماء

و"الحطام" هنا "ما تكسر من اليبيس": ربما القصد الأمم. و لا أستبعد كذالك إذا أُخذ المعنى بعمق أن تعني أمم كانت يوماً مجموعة و تلاشت وحدتها بعد نوح عليه السلام و بعد جفاف الطوفان و تفرقوا.

و كذالك فكرة الوثنية كشبيه للديانات التوحيدية:
أرى عالماً يرْجونَ عفوَ مليكهِم، ---- بتقبيلِ ركنٍ، واتخاذِ صليبِ

فأين الفرق؟

أما اليقين فلا يقين وإنما ---- أقصى اجتهادي أن أظن وأحدسا

و قوله:

أما الإله فأمرٌ لست مدركه ---- فاحذر لجيلك فوق الأرض إسخاطا

و أود التنبيه له هنا أن المعري في سؤاله لا يشكك و لا هو في حيرة من اعتقاده. و لكنه ينضح عن دراية ليس الكل من الناس عالم أو واعي لها:

لو أنّ كلَّ نفُوسِ النّاسِ رائيَةٌ ---- كرأي نَفسي، تَناءَتْ عن خَزاياها
وعَطّلوا هذه الدُّنيا، فَما وَلَدوا، ---- ولا اقتَنَوْا، واستراحوا من رزاياها

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير