وإني لمعذور على فرط حبها لأن لها وجها يدل على عذري
أخذه أبو تمام فقال:
له وجه إذا أبصر - - ته ناجاك عن عذري
فأوجز في هذا المعنى غاية الإيجاز.
ومما يجري على هذا النهج قول أبي تمام:
كانت مساءلة الركبان تخبرني عن أحمد بن سعيد أطيب الخبر
حتى التقينا فلا والله ما سمعت أذني بأحسن مما قد رأى بصري
وأستكبر الأخبار قبل لقائه فلما التقينا صغر الخبر الخبر
وكذلك قولهما في موضع آخر فقال أبو تمام:
كم صارما عضبا أناف على قفا منهم لأعباء الوغى حمال
سبق المشيب إليه حتى ابتزه وطن النهى من مفرق وقذال
أخذه أبو الطيب فزاد وأحسن حيث قال:
يسابق القتل فيهم كل حادثة فما يصيبهم موت ولا هرم
ومن هذا الضرب قول بعض الشعراء:
أمن خوف فقر تعجلته وأخرت إنفاق ما تجمع
فصرت الفقير وأنت الغني وما كنت تعدو الذي تصنع
أخذه أبو الطيب المتنبي فقال:
ومن ينفق الساعات في جمع ماله مخافة فقر فالذي فعل الفقر
الضرب التاسع من السلخ: وهو أن يكون المعنى عاما فيجعل خاصا أو خاصا فيجعل عاما.
وهو من السرقات التي يسامح صاحبها فمن ذلك قول الأخطل:
لا تنه عن خلق وتأتي مثله عار عليك إذا فعلت عظيم
أألوم من بخلت يداه وأغتدي للبخل تربا ساء ذا صنيعا
وهذا من العام الذي جعل خاصا ألا ترى أن الأول نهى عن الإتيان بما ينهى عنه مطلقا وجاء
بالخلق منكرا فجعله شائعا في بابه وأما أبو تمام فإنه خصص ذلك بالبخل وهو خلق واحد من
جملة الأخلاق.
وأما جعل الخاص عاما فكقول أبي تمام:
ولو حادرت شول عذرت لقاحها ولكن منعت الدر والضرع حافل
أخذه أبو الطيب المتنبي فجعله عاما إذ يقول:
وما يؤلم الحرمان من كف حارم كما يؤلم الحرمان من كف رازق
الضرب العاشر من السلخ: وهو زيادة البيان مع المساواة في المعنى وذلك أن يؤخذ المعنى
فيضرب له مثال يوضحه فمما جاء منه قول أبي تمام:
هو الصنع إن يعجل فنفع وإن يرث فللريث في بعض المواطن أنفع
أخذه أبو الطيب المتنبي فأوضحه بمثال ضربه له وذلك قوله:
ومن الخير بطء سيبك عني أسرع السحب في المسير الجهام
وهذا من المبتدع لا من المسروق وما أحسن ما أتي بهذا المعنى في المثال المناسب له.
قد قلصت شفتاه من حفيظته فخيل من شدة التعبيس مبتسما
أخذه أبو الطيب المتنبي فقال:
وجاهل مده في جهله ضحكي حتى أتته يد فراسة وفم
إذا رأيت نيوب الليث بارزة فلا تظنن أن الليث مبتسم
ومما ينخرط في هذا السلك قول أبي تمام:
وكذاك لم تفرط كآبة عاطل حتى يجاورها الزمان بحال
أخذه أبو عبادة البحتري فقال:
وقد زادها إفراط حسن جوارها لأخلاق أصفار من المجد خيب
وحسن دراري الكواكب أن ترى طوالع في داج من الليل غيهب
فإنه أتى بالمعنى مضروبا له هذا المثل الذي أوضحه وزاده حسنا.
الضرب الحادي عشر من السلخ: وهو اتحاد الطريق واختلاف المقصد ومثاله أن يسلك
الشاعران طريقاً واحدة فتخرج بهما إلى موردين أو روضتين وهناك يتبين فضل أحدهما على
الآخر.
فمما جاء من ذلك قول أبي تمام في مرثية بولدين صغيرين:
نجمان شاء الله ألا يطلعا إلا ارتداد الطرف حتى يأفلا
إن الفجيعة بالرياض نواضرا لأجل منها بالرياض ذوابلا
لهفي على تلك الشواهد فيهما لو أخرت حتى تكون شمائلا
إن الهلال إذا رأيت نموه أيقنت أن سيكون بدرا كاملا
قل للأمير وإن لقيت موقرا منه يريب الحادثات حلاحلا
إن تزر في طرفي النهار واحد رزأين هاجا لوعة وبلابلا
فالثقل ليس مضاعفا لمطية إلا إذا ما كان وهما بازلا
لا غرو إن فننان من عيدانه لقيا حماما للبرية آكلا
إن الأشاء إذا أصاب مشذب منه اتمهل ذرا وأث أسافلا
شمخت خلالك أن يواسيك امرؤ أو أن تذكر ناسيا أو غافلا
إلا مواعظ قادها لك سمحة إسجاح لبك سامعا أو قائلا
هل تكلف الأيدي بهز مهند إلا إذا كان الحسام القاصلا
ألست من القوم الذي من رماحهم نداهم ومن قتلاهم مهجة البخل
بمولودهم صمت اللسان كغيره ولكن في أعطافه منطق الفصل
تسليهم علياؤهم عن مصابهم ويشغلهم كسب الثناء عن الشغل
عزاءك سيف الدولة المقتدى به فإنك نصل والشدائد للنصل
تخون المنايا عهده في سليله وتنصره بين الفوارس والرجل
بنفسي وليد عاد من بعد حمله إلى بطن أم لا تطرق بالحمل
بدا وله وعد السحابة بالردى وصد وفينا غلة البلد المحل
وقد مدت الخيل العتاق عيونها إلى وقت تبديل الركاب من النعل
¥