ولِواءُ سَعْدٍ رَفَّ فَوْقَ جُيُوشِنَا فَكَأنَّمَا هُو جَيْشُهُ الجَرَّارُ
ورَعيلُ بَدْرٍ صَاحَ فِيْنَا بَادِرُوا إِنَّ الجهادَ بَراعةٌ وَبدارُ
الْمَغْربُ الْعَرَبيُّ أخْلَصَ لِلّنِداءِ فَتَعَزَّزَتْ بِجُيوشِه الأنْصارُ
شَعْبٌ تَمَرَّسَ بِالِكفاحِ, فَلَمْ تَنلْ مِنْهُ السِّنُونِ وَلاَ ثَنَاُه عثارُ
صَهَرَتْه مَعْرَكَةُ الْفِدا, وَعَقيدةٌ عَرَبيةٌ, والأَطْلَسُ الْجَبَّارُ
أوْراسٌ عَلّمَتِ الجِهادَ أُسُودها وَسَمَا بِبَنْزَرتَ الْفَتَى المِغْوارُ
هَذي الجُموعُ الزَّاحِفاتُ طَلائِعُ فِيهَا الْجهادُ عَقيدَةٌ وَشِعَارُ
قَدْ أَقْسَمَتْ ألاَّ تَعودَ لِدَرْبِِهَا حَتَّى تَعودَ لِقُدْسِهَا الأبْرارُ
وَتَرَى فَلَسْطِينَ الذَّبيحَةَ حُرّةً لا يَسْتَبِدُّ بِأَمْرِهَا الأشْرَارُ
وَجَبينُ يَعْرُبٍ مُشْرِقٌ مُتَوَهّجٌ وعَلَيْهِ مِنْ شَرَفِ الْبُطولَةِ غَارُ (36)
غير أنَّ بعض الشعراء الجزائريين كانوا يقرنون قضية فلسطين بالثورة التحريرية بالجزائر, لأنَّ انتصار الجزائر هو انتصار لفلسطين وللعروبة جميعا, وهزيْمَة المستعمر في هذا القطر تحمل له الهزيْمة في كل مكان, والنصر المتوقع في الجزائر سيتبعه نصرٌ آخر في فلسطين, لأنَّ ابن الجزائر بعد النصر في بلاده سيولي وجهه شطر فلسطين ليلبي نداء (حيفا ويافا) وهو المعنى الذي عبّر عنه الشاعر صالح خرفي (37) في قصيدته (العيد الجريح) التي القاها في المهرجان الشعر الثاني بدمشق سنة 1960 م.
فَكَأنّي, بابنِ الْجَزائِرِ وَفّى شَوْطَهُ في غَدِ, وَ أَنْهَى الْمَطَافَا
ثُمَّ وَلَّى لِمَشرِقِ الشّمْسِ وَجْهًا لُيُلَبِّي نِداءَ (حيفَا وَيَافَا)
جَيْشُنَا جَيْشُكُمْ فَمَا طَارَ صَوْتٌ عَرَبِيٌّ إلاَّ وَطِرْنَا خِفَافَا
جُرْحُنَا مُثْخَنٌ, وَلِكْن سَيَغْدُو في سَبِيلِ الإخَاءِ جُرْحًا مُعافَى
لَنْ نُطيقَ السَّلامَ يَومًا وَشِبْرُ عَرَبِيٌّ عَنِ الْكَرَى يَتَجَافَى (39)
وتعانقت الجزائر وفلسطين عناقًا يستمد حرارته من حرارة الحرمان الذي مُني به الشعبان, الجزائري والفلسطيني, فكانت الثورة الجزائرية انطلاقا لكل هذه المشاعر الجريحة في فلسطين وفي الجزائر, وتلاقى المبعدان عن وطنهما لقاء الغريب بالغريب, تلاقى الجزائري والفلسطيني في أكثر من نقطة في الوطن العربي, فكان لقاء الثَّأْرِ بالدم المهدور, لقاء الانتفاضة بالكرامة الجريحة, لقاء العودة للوطن الثائر, والوطن المتأهب للثورة تلاقيا على قمم الأطلس وسفوحه لقاء الثورة الزاحفة, ووضعت اليد في اليد, وتنادت الآمال وتجاوبت الجروح. ولأنَّ الشاعر صالح خرفي قد عاش أحداث الثورة التحريرية في الجزائر, وعاش لحظات الرُّعب والإرهاب, وتابع عن كثب مأساة الشعب الفلسطيني الشقيق منذ الانتداب والاستعمار الصهيوني لفلسطين, فأملت عليه هذه الأحداث عديد الصور التي حفلت بِها مقطّعاته الثلاث المدرجة في هذا البحث, ومنها هذه المقطعة التي هي من قصيدة بعنوان (الجُرح المتجاوب):
يَا أَخِي في خيامِ غَزَّةَ في قِمّة (شليا) (39) , جُروحُنا تتنَادَى
نَحْنُ قُرْبانٌ مُدلِجٌ يُنْشِدُ الْفَجْرَ فَكُنَّا لَهُ مَنارًا وَزَادَا
رَعْشَةُ الضّوءِ في سِراجِكَ يَاصَاحِ أضاءتْ لَهُ الرُّبَى وَالوِهَادَا
ومِنْ الآهَةِ الْحَزِينةِ وافَتْهُ مِنَ الْعِزّ نَغْمَةٌ تَتَهَادَى
إِنَّنَا نَزْرَعُ الوُرُودَ عَلَى الدَّرْبِ وَنَجْني مِنَ الوُرُودِ الْقَتادَا (40)
فلا عجب أنْ تقرن الجزائر بفلسطين, وتربط معركة فلسطين بمعركة الجزائر, في فترة خانقة لم تزل فيها معركة الجزائر هي الأخرى في كفة القدر, ولكنه الإيمان بالمصير المشترك, لان الشعوب العربية استحالت والى الأبد, شعبا موحدا, مزجت العروبة بين أقطاره في لغة واحدة وحضارة واحدة, وقد أشار صالح خرفي إلى هذا المصير المشترك بين القطرين الشقيقين الجزائر وفلسطين لتعدد أوجه التلاقي والتكامل والتمازج, وبخاصة في الكفاح المسلح ضد الاستعمار الغاشم:
قَدْ خُلِقْنا أَنَا بِقمَّةِ (شليا) مُسْتَنيرًا بِفَوهَةِ ذاتِ وَقْدِ
وبخَطِّ الهُجُومِ أَنْتَ, خُلِقْنَا يا أَخَا الثَّأر مِنْ هُنَا لِلتَّحَدِّي
فَاْتُركِ السِّلْمَ لِلْوجُودِ, وَللِنَّار خُطانَا, فسلّمْنَا رَفْعَ بَنْدِ
¥