تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

تختفي عن ناظره، لكنها لا تبرح خياله لحظة، حتى بعد أن يلتقي بامرأة أخرى تشغله بعض الشيء. وتقول الحكايات أن ذي الرمة صدم وحزن وهام على وجهه طويلا إلى أن التقى بامرأة أخرى تدعى "خرقاء ". وفي غمرة من غمرات اليأس والحرمان والإحساس بالضياع خيل إليه أنها هي التي تسليه عن مية، وتنسيه غرامها وتعوضه عن حبه الضائع.

فالشاعر الذي مازال مفتونا بحبيبته البدوية، يتوصل أخيراً إلى عنوانها الجديد.ثم يتحين ليلة حالكة الظلام لكي ينزل ضيفا على زوجها، يفعل ذلك وهو متنكر. على أن غفلة الزوج لم تستمر طويلاً، فسرعان ما أدرك الحيلة الماكرة، وفطن إلى أن الضيف المتنكر ما هو إلا ذو الرمة، عاشق مية قبل زواجها منه، وشاعرها الذي تتناقل الأفواه قصائد تشببه بها في كل أرجاء البادية.فأسرع الزوج بطرد الشاعر العاشق من بيته، ملقياً حاجياته وراءه، تاركاً إياه في العراء. ولم يجد ذو الرمة وسيلة ليخفف بها على نفسه ما حدث سوى أن يتوقف أمام البيت، ويغني مردداً بيت شعر كان قد قاله في مي من قبل:

أراجعة يا مي أيامنا الألى بذي الأثل أم لا ما لهن رجوع

وسمع الزوج ذلك الغناء فثارت ثائرته وتساءل في غضب عن معنى الكلام، وما الذي يعنيه ذو الرمة بقوله " أيامنا الألى بذي الأثل "، وصرخ في زوجته مي، وطالبها بأن تقوم فتطرد ذا الرمة وتبعده عن المكان وإلا ضربها بالسيف. ففعلت مي ما أراد زوجها، فغضب ذو الرمة، ونهض إلى راحلته فركبها وانصرف، وقد ألى على نفسه أن يقطع صلته بمي تماماً، وأن يفعل ما بوسعه لكي ينساها. وظل يسير على غير هدى حتى وصل إلى مكان ينزل به أهل خرقاء وتعرف إليها، وأعجبه فقال فيها الشعر.

وقد تميز شعره في صاحبته مي بكثرة البكاء، فحبه عفيف كله أنين وزفرات ودموع وحنين بالغ، فيكثر من وصف دموعه التي لا تطفئ نيران الحب المندلعة في قلبه، وقد نظم يتعزى عنها بمحرابها الذي كانت تعيش فيه، ومن ذلك قوله فيها:

وقفت على ربع لميّة ناقتي فما زلت أبكي عندهُ وأخاطبُه

وأسقيه حتى كاد مما أبثّه تكلمني أحجارهُ وملاعبُه

وكذلك قوله:

أجل عبرةً كادت لعرفان منزلٍ لميّة لو لم تسهل الماء تَذبَحُ

- آثاره الشعرية

ترك لنا ذو الرمة ديوان شعر، وقد تمت طباعته عدة مرات، سنفصلها في الفصل الثاني، وكانت موضوعاتها متنوعة ومتفاوتة من حيث الخصائص الموضوعية والفنية أحيانا.

- مكانته بين الشعراء

لو أردنا الخوض في مكانته بين الشعراء يكفينا ذلك الخبر الذي ورد في الأغاني: " ويقال إنه كان ينشد شعره في سوق الإبل، فجاء الفرزدق فوقف عليه، فقال له ذو الرمة: «كيف ترى ما تسمع يا أبا فراس»، فقال: «ما أحسن ما تقول»، قال: «فما لي لا أذكر مع الفحول»، قال: «قصر بك عن غايتهم بكاؤك في الدمن وصفتك للأبعار والعطن».

إذن فإن ذا الرمة لا يقصر عن باقي شعراء عصره إلا انه قد ركز في شعره على وصف الصحراء والأطلال، وكان هذا على حساب الأغراض الأخرى، مما جعله قليل التنويع، وشهادة شاعر كالفرزدق تفي بالغرض.

وقد صنّفه ابن سلام الجمحي في طبقاته ضمن الطبقة الثانية في الشعراء الإسلاميين وترتيبه الرابع في هذه الطبقة، ويدل هذا الترتيب على فحولته، ولكن رغم ذلك قد لا يكون التصنيف منصفا للشاعر، ولكن الأهم من هذا اعتباره فحلا من قبل ناقد من اكبر وأفضل نقاد العصر القديم.

- أقوال أهل الأدب فيه

كثرت الأقوال والآراء والأحكام التي أطلقها أدباء ونقد الأدب حول ذي الرمة، وفي ذلك دليل على مكانة ذي الرمة، ومنها قول أبو عمرو بن العلاء: «ختم الشعر بذي الرمة والرجز برؤبة بن العجاج» قول جرير: «لو خرس ذو الرمة بعد قوله قصيدته التي أولها - ما بال عينك منها الماء ينسكب- لكان أشعر الناس» وقول أبو عمرو: «شعر ذي الرمة نقط عروس يضمحل عن قليل وأبعار ظباء لها شم في أول رائحة ثم يعود إلى البعر».

ولم يقف الأمر عند هذا الحد، فقد قال عنه أبو عبيدة: "ذو الرمة يخبر فيحسن الخبر، ثم يرد على نفسه الحجة من صاحبه فيحسن الرد، ثم يعتذر فيحسن التخلص، ومع حسن إنصاف وعفاف في الحكم".

- وفاته

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير