تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وللتأكيد على ما توصلت إليه من خلال دراستي لديوان ذي الرُمة، ما قاله حنا الفاخوري: " ... ولهُ ديوانُ شعرٍ ينقسم قسمين كبيرين، شعر الغزل وشعر الصحراء، أما الأول فأناشيد حُبٍّ وَوَلهٍ وجّهَها إلى ميّةَ معبّراً عن خوالج نفسه، وأما الثاني فلوحاتٌ صحراويةٌ تتجلى فيها حياة البادية في روعة فريدة". ولم يزد حنا الفاخوري على ذلك كلمة واحدة في حديثه عن الديوان، وان الأمر واضح متفق عليه من قبل الدارسين والباحثين في شعره.

وقد برز غَرَضَا الهجاء والمديح في شعره كذلك، أما الهجاء فقد كان يبدأ به وما إن يمر بعدة أبيات حتى يتحول إلى الصحراء ووصف الطبيعة المحيطة، والحديث عن المحبوبة مي، وكذلك الأمر بالنسبة للمديح، وله قصائد قليلة فيهما، وعادة ما جاء هذان الغرضان في داخل القصيدة الغزلية أو الطبيعية كجزء منها ونادرا ما يكونان في قصيدة منفردة إلا في المقطعات التي تتكون من بيت أو نيّف من الأبيات.

ان هذا الاهتمام بالغزل والوصف للطبيعة من قبل ذي الرمة سيدفعنا إلى حديث طويل عن شعره وأدبه في الفصل الثالث وسنفصل فيهما القول.

ويرى الدارس والباحث في ديوان ذي الرمة انه يفتخر في أحيان قليلة، اقل من الهجاء والمديح أيضا، وليس فيه سوى خمس قصائد من بينها ثلاث يختلط فيها الفخر بالهجاء، أي انه ليس في ديوانه سوى قصيدتين يقف الفخر فيهما وحده إلى جانب الموضوعين التقليديين الثابتين في كل شعر ذي الرمة وهما الحب والصحراء، بل ان الأخيرة منهما لا يشغل الفخر منها سوى الأبيات الأربعة الأخيرة، وهي التي تتألف من واحد وخمسين بيتا.

أما القصيدة الأخرى، وتتكون من تسعة وسبعين بيتا، يحتل الفخر حيزا كبيرا منها، يبدأ من منتصفها، ويدور فخره في الدائرة القبلية ومن ذلك قوله مفتخرا:

إذا نحن قايسنا أناساً إلى العلا وان كرموا لم يستطعنا المقايِسُ

نَغَارُ إذا ما الروع أبدى على البُرى ونقرى سديف الشحم والماءُ جامسُ

ونلاحظ كذلك بروز الأحاجي والألغاز في بعض قصائد ذي الرمة، وهي لا تحتل سوى جزءا ضئيلا من قصائده، إلا انها طريفة، فنراه مشغولا بنظم طائفة من الألغاز يحاول التعمية فيها، فتحتاج لفهمها إلى شيء قليل أو كثير من الفطنة والذكاء، وقد كان هذا اللون مألوفا في البادية بقصد التسلية والسمر وشغل أوقات الفراغ في مجتمع تكثر فيه أوقات الفراغ.

ان في ديوان ذي الرمة قصيدتان طويلتان ومقطوعتان قصيرتان تدور حول هذا اللون من الشعر، وفي قصيدتين أخريين طائفة أخرى من هذه الأحاجي والألغاز، فمنها ما قاله كلغز في الثور الوحشي، أو السف، أو غيرها من الموضوعات.

ج. عدد أبياتها:

يمكن ان أقسم عدد الأبيات في قصائد ديوان ذي الرمة إلى مجموعتين، المجموعة الأولى تضم المقطعات الصغيرة، أو الأبيات المفردة، وكذلك القصائد القصيرة والمتوسطة، فنجد مثلا بيتا واحدا أو اثنين أو ثلاثة، ويتكرر هذا في ما يقارب المائة مقطوعة، أي ما يقارب النصف، أما القصائد القصيرة والمتوسطة، أي التي يبلغ عدد أبياتها بين 3 و20 بيتا فإنها قليلة جدا، ويمكن لنا ان نعزي هذا إلى عدد من الأسباب أهمها ان الشعر الذي نطق به الشاعر وليد الحس المرهف والعاطفة الصادقة فقد قال هذا الشعر في مواقف آنية استجابة منه لخلجات فؤاده، فكان ينظم الشعر ارتجالا فيأتي بالمقطعات أو القصائد القصيرة.

ان هذا الأمر ليس بالعجيب على شاعر مثل ذي الرُمة، بل انه ليس بالعجيب بالنسبة لشعرائنا القدماء، فقد برز الكثيرون على هذا المنوال منذ العصر الجاهلي إلى العصر العباسي وربما الأندلسي، ومنهم المتنبي وأبو تمام وجرير وبشار بن برد وكذلك ذي الرمة.

أما القصائد الطويلة التي تزيد عن هذا العدد من الأبيات فإنها تتكرر بكمية لا بأس بها، فهناك قصائد تصل إلى خمسين بيتا، ومنها ما يصل إلى سبعين، وان أطول قصائده يصل إلى 131 بيتا من الشعر وهو في حرف رويّ الباء.

ان هذه القصائد جاءت متعددة الموضوعات والمحاور، وفي الوقت ذاته يمكننا القول بأن الشاعر قد قالها أحيانا في أكثر من مناسبة، وهذا أمر ممكن إلى حد ما، وفي الوقت ذاته – في رأيي- يمكن للشاعر ان يكون قد قالها ارتجالا ولكن في وقت طويل، أو انه قد عني بها ينقحها ويزيد عليها ويحذف منها، ان هذا الأمر يعود لطبيعة الموقف ورواية المترجمين والرواة، وكله وارد.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير