د. موسيقاها
تتنوع البحور التي اعتمد عليها ذو الرمة في نظمه لمقطعاته وقصائده، إلا ان أكثرها كان على البحور الطويلة، وفي مقدمتها البحر الطويل الذي شاع استخدامه في ذلك العصر، وقد برز في أكثر من نصف الديوان، يليه البحر البسيط التام، وبعده يأتي كل من الوافر والكامل بنسبة قليلة وكذلك الرجز، بينما لم يستخدم البحرين المتقارب والمنسرح سوى في قصيدتين، واستخدم مشطور السريع في قصيدة واحدة، والأمر ذاته ينطبق على البحر الخفيف.
ان قلة التنوع في بحور الديوان أمر طبيعي بالنسبة لشاعر في ذلك العصر، فإننا نلاحظ حين نتصفح دواوين الشعراء القدماء، وخاصة من يتناولون موضوعات الوصف والغزل، من أمثال ذي الرمة وكثير عزة، وكذلك الشعراء الكبار القدماء الذين يصفون الحروب والمديح أمثال المتنبي، أنهم يكثرون من استخدام البحور الطويلة، إذ انها تفسح لهم المجال ليفيضوا في التعبير عن المعنى المقصود، وهو اسلم وأسهل لقريحتهم من البحور القصير، خاصة لما يملكونه من مفردات جزلة قوية.
موضوعات الديوان:
1. شعر الحب:
كثر شعر الحب في ديوان ذي الرمة، فقد كان كثير الغزل، ومعظمه نظمه في حبيبته ميّة التي اشتهر بقصة حبه معها، وكان –تارة- من الشعراء العذريين الذين رأوا في المرأة مصدر السعادة والراحة النفسية، وتارة أخرى نجده شاعر الوصف الحسي الجسدي، الذي يصف مفاتن المرأة ويفصلها ولا يترك تركاً لها:
ومن حاجتي لولا التنائي وربما فتحت الهوى من ليس بالمتقاربِ
بمطابيل بيض من ذؤابة عامر رقاق الثنايا مشرفات الحقائبِ
يقظن الحمى والرمل مربع ويشربن ألبان الهجان النجائبِ
وقد سار ذو الرمة على طريق القدماء الجاهليين في بناء القصيدة الغزلية، من حيث جزالة الألفاظ، وطبيعة الصور الشعرية، والمشاهد التي يرسمها في تلك القصائد.
لم تكن مية هي الوحيدة في حياة شاعرنا، فقد دقّ فؤاده لأكثر من امرأة في حياته، والجدير بالذكر أن حبه لم يتكلل بالزواج من أي منهن، فقد أحب أم سالم، وبنت الفضاض، ولكن الحب الأسمى كان حب مية التي أحبها عشرين عاما، جعلت هذه السنون من حياته حزنا ويأسا وأسى، وانعكس كل هذا على شعره، ويدل على ذلك قوله:
بدا اليأس من مي على أن نفسه طويل على آثار مي نحيبها
فالشاعر يائس ولا شيء يلهيه عن ذكرى المحبوبة التي أخذت نصيبا ليس بقليل من هناء عمره، فالدموع تنهمر من عيناه كما تتفجر الينابيع إلى اجل طويل، واسم مية يتردد على لسانه كما يردد الطفل اسم أمه، وهو في حبه لها لا يخجل ولا يخاف من مخيف أبدا، فيردد اسمها على العلن، ويعلن حبه للملأ، كيف لا وهذا الحب يسكن بين الرئتين، ويحفر في العظام، بل يخرج مع زفراته في كل لحظة، وان هذا العذاب لصخرة على صدره لا درءَ لها.
2. شعر الصحراء:
سبق الحديث عن شعر الصحراء في موضع سابق، وعرفنا أن الشاعر قد قدم لنا صورا ومشاهدا غاية في الروعة، نقل مناظرها إلى شعره في لوحات رائعة، وكان يحمّل الحيوان مشاعر الإنسان، ومن أروع ما قاله في هذا النحو:
إذا استودعتهُ صفصفا أو صريمة تنحت ونصت جيدها بالمناظرِ
حذارا على وَسنان يصرعه الكرى بكل مقيل عن ضعاف فواترِ
أما الأمر الذي لم نتطرق إليه، وهنا موطنه وموضعه الأنسب، أن شاعرنا ذا الرمة كان يخاف ظلام الصحراء، ونلمس هذا في بطون قصائده، من ذلك ألفاظ دالة عليه تتردد، كقوله "الليل الأسود، والصحراء المرعبة، والسراب الرابض، وغيرها.
لو أردنا أن نستكشف السبب الكامن وراء تلك الجمل في شعره لكشفنا انه قالها خوفا من الليل، ونتيجة الشعور بعدم وجود الأمان، وقد صدر عنه ذلك الكلام أما شعوريا أو لاشعوريا، ومن ذلك قوله:
وتيها تودي بين أرجائها الصّبا عليها من الظلماء جُلٌّ وخندقُ
3. شعر المديح:
لم يخرج المديح عند شاعرنا عن حدود التقليد المتعارف عليه عند القدماء، فغالبا ما سبقته مقدمة في الغزل والصحراء، وكان مقتصرا على أناس محددين، ومن مدائحه ما طال كثيرا حتى بلغ المديح فيه خمسين بيتا سوى المقدمة والأغراض الأخرى في القصيدة ذاتها، ومن ذلك قصيدته التي يقول فيها:
إلى ابن العامري إلى بلال قطعت بنعف معقلة العدالا
قروت بها الصريمة لا شخاتا غداة رحيلهن ولا حيالا
بخائب من نتاج بني غرير طوال السمك مفرعة نبالا
4. شعر الهجاء:
¥