تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

شعر الهجاء قليل جدا عند ذي الرمة، فلا يتجاوز عشر قصائد، وأربع مقطوعات وأرجوزة قصيرة، وكان في هجائه يبدأ بمقدمة طللية، وفي حديث عن الأطلال، والغزل، والحب، والأطلال، ووصف الرحلة، والصحراء، وبعدها ينتقل إلى موضوع الهجاء، فلا يصيب الهجاء سوى نصيب المقلّ من هذه القصيدة، ومن ذلك قوله هاجيا امرئ القيس:

تسمّى امرؤ القيس ابن سعدا إذا اعتزت وتأبى السبال الصهب والأنف الحُمرُ

ولكنما أصل امرئ القيس معشرٌ يحلّ لهم الخنازيرُ والخمرُ

نِصابُ امرئ القيس العبيدُ وأرضهم مجرّ المساحي لا فلاةٌ ولا مِصرُ

ولا يتجاوز الهجاء في هذه القصيدة ستة عشرة بيتاً من الشعر، من أصل ستين بيتا، وكأن الهجاء موضوعاً ثانويا لا غاية مقصودة من هذا النظم الذي أمامنا.

5. شعر الفخر:

ورد الفخر في شعره كموضوع طارئ يستدعيه الموقف في أكثر كم قصيدة، فكانت القصيدة تحتوي على فخره بنفسه، من نواحي متعددة، كما كان يفخر بأصله، ولا تزيد عن خمس قصائد بشكل عام، ومن ذلك قوله يفخر بقبيلته:

أنا ابن النبيين الكرام ومن دعا أبا غيرهم لا بد أن سوف يُقهرُ

ألم تعلموا أني سموتُ لمن دعا له الشيخ إبراهيم والشيخُ يذكرُ

6. شعر الأحاجي والألغاز:

الأحاجي والألغاز في بعض قصائد ذي الرمة، وهي لا تحتل سوى جزءا ضئيلا من قصائده، إلا انها طريفة، فنراه مشغولا بنظم طائفة من الألغاز يحاول التعمية فيها، فتحتاج لفهمها إلى شيء قليل أو كثير من الفطنة والذكاء، وقد كان هذا اللون مألوفا في البادية بقصد التسلية والسمر وشغل أوقات الفراغ في مجتمع تكثر فيه أوقات الفراغ.

إن في ديوان ذي الرمة قصيدتان طويلتان ومقطوعتان قصيرتان تدور حول هذا اللون من الشعر، وفي قصيدتين أخريين طائفة أخرى من هذه الأحاجي والألغاز، فمنها ما قاله كلغز في الثور الوحشي، أو السف، أو غيرها من الموضوعات.

ومن هذا الشعر، كنموذج تمثيلي، ما قاله مريدا به الرعد في الأول والثاني أراد به ثغر المرأة:

وداعٍ دعاني للندى وزجاجة تحسّيتها لم تقن ماء ولا خمرا

المؤثرات العامة في شعره:

1. أمه:

توفي والد ذي الرمة وهو صغير، فقامت أمه على رعايته مخلصة له، فكان لها عظيم الأثر في نفسه ومسيرة حياته، فقدمت له الحنان، والمأكل، والمأوى، وكل ما يمكن تقديمه من الرعاية، فقامت بدور الأم والأب والأخ والأخت، ولقد كانت بداية التشجيع والتحفيز على نظم الشعر على يد هذه الأم، فقد كانت في يوم من الأيام قد سمعت ابنها ينشد الشعر، فذهبت به إلى الحصين العدوي ليسمع له، وحين سمعه بارك له وقال: "أحسن ذو الرمة". وبذلك كانت أمه قد وضعت قدمه على طريق الشعر ليخطو الخطوة الأولى فيه.

2. الصحراء:

الصحراء هي الأم الثانية لشاعرنا، فقد انبهر ذو الرمة باتساعها، وتفاعل مع ليلها الطويل، وخاف من ظلامها الدامس، وغنى وترنم مع صفير رياحها، وتعجب من سرابها، وشعر بعاطفة نحو حيواناتها، وكل ذلك مدّه بعاطفة قوية، وكوّن رابطا قويا بينه وبينها، فجاءت ألفاظه جزلة، وأشعاره متوشحة بوشاح البيئة الصحراوية التي عاشها، خاصة فيما يخص الخيال والصور والاستعارات، وهو القائل:

واني لطاوٍ سرها محفل الحشا كما الثرى في عهدة لا يبنيها

3. ميّة:

ليس كالحبيب على الإنسان تأثيرُ! هذا ابلغ وأفضل ما قد يقال في هذا الموضع، وان قصته مع مية قد سردتها في بحثي، وفيها كل التفاصيل التي لا نغني البحث إذا أعدنا ما تم ذكره، حرصا على البعد عن الرتابة.

4. عصره وبيئته:

عاش ذو الرمة في عصر بني أمية، وقد شاع في هذا العصر الغزل الصريح في بيئة الحجاز، والغزل العذري في البادية، ومدح الخلفاء في مركز الخلافة آنذاك في دمشق، وغيرها من الموضوعات والأغراض التي كان لا بد له من أن يغترف منها ما يغترف ويستسيغ، كأي شاعر يتأثر بعصره ويؤثر فيه.

وقد استساغ ذو الرمة شعر الغزل العذري، في عصر تميز بالوقوف على ضفتي نهرين أدبيين شديدي العمق والتدفق والجيشان، فمن قبله عصر الجاهلية بما يمثله من غزارة العاطفة البدوية ووفرة الإنتاج والعناية بفن القول.

5. الدين:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير