تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

كان ذو الرمة ملتزما بالدين وتعاليمه وشرائعه وفرائضه، فيواظب على الصلاة والصوم وذكر الله، وقد تلقى علومه الدينية على يد العدوي، فدرس علوم القرآن والسنة، وقد أثر هذا على شعره، فكان إذا مدح يمدح بالتقوى وحفظ الدين، وإذا افتخر يفتخر بالورع ولإيمان، وإذا هجا يهجو بتجريد المهجو من القيم والأخلاق الإسلامية. وقد مرّ معنا هجاؤه لامرئ القيس، فنعته بصفات غير دينية وغير أخلاقية كنوع من الشتيمة والهجاء.

الخصائص الفنية لشعر ذي الرُمة:

أولا: العاطفة:

هناك عاطفة واحدة تحرك الشاعر وتقود خطاه أثناء نظمه لشعره، وان السبب الأبرز في هذا أن معظم شعره يدور في فحواه حول العشق والصحراء، وبالتالي فان العاطفة الأساسية السائدة في هذا الشعر هي عاطفة الحب.

الملاحظ لشعر ذي الرمة يشعر بوحدة عاطفية تمسك بأطراف موضوعات القصيدة، فعاطفة ذي الرمة لم تعدد في لقصيدة الواحدة، ولم تتوزع توزع موضوعاتها المختلفة، وإنما توحدت العاطفة في كل موضوعاتها، فأصبحت تصدر جميعاً عن مصدر واحد، وتنبع من منبع مشترك، وتخضع لدافع عاطفي لا يتعدد ولا يتوزع، وهو عند ذي الرمة الحب الذي كان يدفعه إلى حديث الغزل من ناحية، والى حديث الصحراء من ناحية أخرى.

وقد انقسمت عاطفة الحب عنده إلى ثلاثة أقسام، حبه لمية المحبوبة التي كلف بها معظم سنيّ عمره، وكذلك حبه لخرقاء، والقسم الثاني منها كان عشقه للصحراء، وتصويرها، والقسم الثالث حبه للحيوان وتعاطفه معه.

أما حبه لمية وخرقاء والغزل بشكل عام فقد مرّ معنا في هذا البحث ولاحظنا كيف كان متيماً بمية التي استفحل حبها في صدره إلى آخر يوم في حياته، وكان لا يفتأ يذكرها في كل مكان يحل فيه، وكثيرا ما كان يقف على أطلالها محاولا التعزي بها، ناظما الشعر فيها، والأمر ذاته ينطبق على خرقاء التي أحبها ولكن حبها ليس كحب مية، فقد نظم فيها الشعر وعبر عن عواطف الحب التي يكن بها تجاه هذه المرأة أيضا.

أما عشقه للصحراء، فقد برز على شكل صور التقطتها عيناه لتبعثا بها إلى أعماق نفسه لتمتزج بمشاعره فتبعث خلقا جديدا على حظ كبير من الروعة والطرافة والجمال والإبداع، فهو في وصفه للصحراء ليس معجبا بها، بل محب لها، وتملأ نفسه بالفتنة الآسرة الطاغية، فيغني لها، ويتغزل بها، ويفتن بها إلى حد التقديس والعبادة.

أحب ذو الرمة الحيوان في الصحراء كما أحب الصحراء التي تحتويه، فكانت بالنسبة له ليست مجرد طبيعة صامتة، بل هي ذات كوامن متحركة تؤثر في نفسه، وهي تلك الكائنات التي تحيا فيها، فلا تبرح صور الإبل ديوانه في معظم قصائده، وهي صور كثيرة لا تحصى، وتخرج عن نطاق الوصف التقليدي إلى نطاق الغزل، وقد احتلت الظباء المركز الثاني بصحبه الناقة بالنسبة إلى مكانتها في قلبه، فلقد أحبها كثيرا، وهي التي تملأ الصحراء حوله جمالا وحسناً، وهي التي تذكره بحبيبته مية وخرقاء حين باعد السفر بينه وبينهما.

وقد وصف كذلك الظباء والأبقار وحمار الوحش، ولم يترك كائنا تقع عيناه عليه إلا ووصفه، ولا يمكن لهذا أن يكون ناتجا إلا عن حب صادق لتلك المخلوقات التي كان يحس بها ويعبر عن مشاعرها ويصور معاناتها مع الضواري، وقدم كل ذلك في لوحات ومشاهد فريدة مميزة بالحس العاطفي العميق.

ثانيا: الصورة الفنية:

كان ذو الرمة ممن يقال عنهم أنهم "ينحتون من صخر"، حيث يبذل كل جهده في القصيدة من حيث التنقيح والتهذيب والتقويم والتثقيف، وقد اعتمد اعتمادا شديدا على الصورة الفنية وجعلها مقوما من مقومات صنعته، بل مقوما أساسيا من مقوماتها، وقد عني بها عناية خاصة، وهي وسيلة أساسية ومقوّم جوهري من مقومات العمل الفني، وشعر غني جدا بالصور الفنية، وخاصة فيما يخص الحب والصحراء حيث كانت عنصرا مهما في بناء القصيدة.

تميزت الصورة الفنية بكونها متأنية في تسجيل المناظر تسجيلا دقيقا وتسجل جزئياته وتفاصيله في شيء كثير من التأمل والروية، ويظهر ذلك في كثير من قصائده، فكان حريصا على أن يخرج صوره إخراجا محكما ودقيقا يعنى فيه باستيفاء جزئياتها وتفاصيلها، ليتحقق له ما يصبو إليه من تكامل فني مستوفي الألوان والجزئيات، بحيث تكون الصورة غنية التفاصيل.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير