ولم يتوقف ذو الرمة عند السراب فقط، فمن خلال اطلاعي على ديوانه، وجدت انه وصف النجوم وحركتها، وجعل الصحراء ذاتها محركة لما فيها من أشياء، وكذلك ينطبق الأمر على الليل، والفجر، والنهار، والبقر والظباء، ومختلف الحيوانات، وكذلك القوافل الراحلة، وذلك كله من اجل إشاعة إحساس بالحياة، وشعور بالتجدد والحيوية.
ذو الرمة بين التقليد والتجديد
يقع ذو الرمة في نظمه بين تيارين، الأول منهما تيار قديم، يتمثل في البداوة من حيث اللغة واللفظ والتركيب، وهي بداوة فرضتها طبيعته من حيث حياته، وتجاربه، إضافة إلى اتصاله بالشعر العربي القديم وسيره في طريق من نظمه من الشعراء.
ويبدو التيار القديم كذلك في أفكاره ومعانيه، حيث اتسع شعره لأفكار القدماء في الحب والصحراء، فنهل منها، وجعل قصائده محتضنة لها، ولكنه لم يقف عند هذا الحد، حيث أبت له نفسه ألا أن يغير ويجدد في كل ما أخذه عن السلف.
أما التيار الجديد الذي يبرز في شعره فهو وليد التغيير والتحوير الذين قام بهما ذو الرمة من خلال الألوان والأصوات والحركة والطاقة التي بثها فيها، وقد برز ذلك من خلال عناصر ثلاثة، أولها العنصر العقلي، وهو قليل الانتشار في شعره، ويظهر في مجال المديح بنسبة أكثر من غيره، وربما سبب ذلك انه نظم مدائحه في العراق حيث النشاط العقلي واضح بشكل لا يختلف فيه اثنان، أما ثانيها فهي العناصر الدينية، حيث انها أكثر العناصر ظهورا وأشدها تأثيرا فيه من حيث خلق الأفكار أو رسم الصور البلاغية أو صياغة عباراته، حيث غير كثيرا من طباع الجاهلية التي ورثها في شعره، فأتى بطباع جديدة غير مألوفة في الشعر القديم، ويتضح ذلك بقوة في شعر الحب.
تحليل قصيدة من حيث:
• الأفكار
• العواطف
• الألفاظ
• المحسنات اللفظية
• الصور الشعرية
• الموسيقى
أولا: نص القصيدة:
أمنزلتَيْ ميّ سلامٌ عليكما على النأي والنائي يودّ وينصحُ
ولا زالَ من نوءِ السماكِ عليكما ونوءِ الثريّا وابلٌ متبطّحُ
وان كنتما قد هجتما راجع الهوى لذي الشوق حتى ظلت العين تسفحُ
اجل عبرة كادت لعرفان منزلٍ لميةَ لو لم تسهل الماءُ تذبحُ
على حين راهقتُ الثلاثين وارعوَتْ لِداتي وكاد الحلم بالجهلِ يرجَحُ
إذا غير النأي المحبينَ لم يكدْ رسيسُ الهوى من حبّ ميةَ يبرحُ
فلا القُربُ يُدني من هواها ملالةً ولا حبُّها، إن تنزح الدارُ يَنزحُ
إذا خطرت من ذكر ميةَ خطرةٌ على النفسِ كادت في فؤادكَ تجرحُ
تصرّفُ أهواء القلوبِ ولا أرى نصيبكِ من قلبي لغيركِ يُمنَحُ
وبعضُ الهوى بالهجر يُمحى فيمتحي وحبّك عندي يستجدُّ ويربحُ
ذكرتك إذ مرت بنا أمّ شادن أمام المطايا تشرئبُّ وتسنحُ
من المؤلِفات الرملَ أدماء حرةٌ شعاعُ الضحى في متنها يتوضّحُ
تغادرُ بالوعساء وعساء مشرفٍ طلا طرفُ عينيها حواليهِ يلمحُ
رأتنا كأنا قاصدون لعهدها به، فهي تدنو تارةً وتزحزحُ
هي الشبهُ أعطافا وجيداً ومقلةً وميّة أبهى بعدُ منها وأملحُ
أناة يطيب البيت من طيب نشرها بُعَيد الكرى زينٌ له حين تُصبحُ
كأن البرى والعاجَ عيجَت متونه على عُشر نهّى به السيلَ أبطحُ
لها كَفَلٌ كالعانك استنّ فوقهُ أهاضيبُ لبّدنَ الهذاليل نُضّحُ
وذو عذرِ فوق الذّنوبين مُسبلٌ على البان يُطوى بالمداري ويُسرَحُ
أسيلةُ مستنِّ الدّموع وما جرى عليه المِجَنّ الجائلُ المتوشّحُ
ترى قُرطها في واضح الليتِ مشرفا على هلكٍ في نفنفٍ يتطوّحُ
وتجلو بفرعٍ من أراكٍ كأنه من العنبر الهندي والمسكُ يُُصبحُ
ذرى أقحوان واجه الليل وارتقى إليه الندى من رامةَ المتروحُ
تخفّ بترب الروضِ من كل جانبٍ نسيمٌ كفأرِ المسكِ حين تفتّحُ
هجان لثنايا معربا لو تبسّمت لأخرسَ عنه كاد بالقولِ يُفصحُ
هيَ البرءُ والأسقام، والهمّ ذكرُها وموت الهوى لولا التنائي المبرّحُ
ولكنها مطروحة دون أهلها أوارن يجرحنَ الأجالدَ بُُرَّحُ
ومستشحجات بالفراق كأنها مثاكيلُ من صيابة النوبِ نوّحُ
يحققنَ ما حاذرتُ من صرفِ نيّةٍ لميةَ أمست في عصا البينِ تقدحُ
بكى زوج مي أن أنيخت قلائصٌ إلى بيت مي آخر الليل طُلّحُ
فمُت كمداً يا بعلَ مي فإنها قلوبٌ لميّ آمنو العيب نُصَّحُ
فلو تركوها والخيارَ تخيّرتْ فما مثل مي عند مثلكَ يَصلُحُ
أبيتُ على مثل الأشافي وبعلُها يبيت على مثل النَّقا يتبطّّحُ
¥