إذا قلتُ: تدنو مية اغبرّ دونها فيافٍ لطرفِ العين فيهنّ مَطرحُ
قد احتملت ميّ فهاتيكَ دارُها بها السُّحمُ تردي والحَمامُ الموشحُ
لميّ شكوت الحبَّ كيما تثيبني بودّي فقالت: إنما أنت تمزحُ!
بعادا وادلالا عليّ وقد رأت ضمير الهوى قد كاد بالجسمِ يَبرحُ
لئن كانت الدنيا عليّ كما أرى تباريحُ من مي فللموت أروَحُ
وهاجرة من دون مية لم تقل قلوصي بها والجندبُ الجون يرمح
بتهياء مقفار يكاد ارتكاضها بآل الضحى والهجرِ بالطرفِ يمصحُ
كأن الفِرَندَ المحضَ معصوبةٌ به ذُرى قورها ينقدّ عنها ويُنصحُ
إذا جعل الحِرباءُ مما أصابه من الحَرّ يلوي رأسه ويُرِنّحُ
نشوان من طول النعاس كأنه بحبلين من مشطونةٍ يترجّحُ
أطرتُ الكرى عنه وقد مال رأسه كما مالَ رشافُ الفِضالِ المرنّحُ
إذا مات فوق الرحلِ أحييتُ روحَه بذكراكِ والعيسُ المراسيلُ جُنَّحُ
إذا ارفضّ إطراف السياطِ وهللت جرومُ المطايا عذّبتهنَ صيدحُ
لها أذن حشرٌ وذفرى أسيلةٌ وخذٌّ كمرآة الغريبةِ أسجحُ
وعينا أحَمّ الروق فرد، ومشفرٌ كسبت اليماني، جاهل حين تمرحُ
ورجلٌ كظل الذئب ألحقَ سدوها وظيفٌ أمرّته عصا الساقِ أروحُ
وسوجٌ إذا الليل الخداريّ شقّهُ عن الركب معروف السماوة أقرحُ
إذا قلتُ: عاجٍ، أو تغنيت أبرقتْ بمثل الخوافي لاقحا أو تلقّحُ
تراها قد كلّفتها كل شقة لأيدي المهارى دونها متمتّحُ
تموج ذراعاها وترمي بجوزها حذارا من الايعاد والرأس مكمحُ
صهابيةٌ جلسٌ كأني ورحلها يجوبُ بنا الموماة جأبٌ مُكدّحُ
يقلب أشباها كأن متونها بمسترشح البهمى من الصخرِ صردحُ
رعت في فلا الأرض حتى كأنها من الضمر خطيّ من السمرِ مُصلَحُ
وحتى أتى يوم يكاد من اللظى به التوم في أفحوصه يتصيّحُ
فظلّ يصاديها فظلّت كأنها على هامها سربٌ من الطير لوّحُ
على مرقبٍ في ساعةٍ ذاتِ هبوةٍ جنادبها من شدة الحرّ تمصحُ
ترى حيث تمسي تلعبُ الريحُ بينها وبين الذي تلقى به حين تصبحُ
كأن مطايانا بكل مفازةٍ قراقير في صحراء دجلة تسبحُ
أبى القلبُ إلا ذكر ميّ وبرّحت به ذات ألوانٍ تجدّ وتمزحُ
أتقرحُ أكباد المحبين كلهم كما كبدي من ذكر مية تقرحُ
الم تعلمي يا مي أنّا وبيننا فيافٍ لطرفِ العين فيهن مطرحُ
أصوح عيني بالفلاةِ لعلني أرادِ وعيني من هوى الوجدِ تسفحُ
أنينٌ وشكوى بالنهارِ شديدةٌ إليها وما يأتي به الليل أبرحُ
وهاجرةٍ شهباءَ ذاتِ وديقةٍ يكاد الحصى من حرّها يتصيّحُ
نصبتُ لها وجهي وأطلالَ بعدما أزى الظلّ واكتنّ الفريد الموشحُ
*****
ثانيا: الأفكار:
تبرز الأفكار في هذه القصيدة على النحو التالي:
1. الأبيات من الأول إلى البيت الحادي عشر، يتحدث ذو الرمة عن كلفه بمحبوبته مي، وما يعانيه في بُعدها، فيلقي السلام عليها، ويذكر نأيها، ويشكو عَبَراته الحارة، ويتحدث عن أثرها في نفسه إذ هي جارحة له وقد وصل الثلاثين من العمر، فهو كلما تذكر مي تُجرَحُ نفسه، وهو يحبها حباً لا ينزح عنه، حتى وان هجرته فإن حبها متجدد، ويذكرها ذو الرمة كلما مرّ ظبي أو رفعت رأسها مطيّة.
2. الأبيات من الثاني عشر إلى البيت التاسع والعشرين، يصف مية، من حيث شكلها، وصفاتها الأخرى، فهي كالظبية في خصرها، وجيدها، ومُقلتها، بل هي أجمل من ذلك، ولها طيب تطيب به النفس قبل الخلود إلى النوم، ولها أعجاز كالرمال الدقيقة، وهي طويلة الخد وقد توشّحت بوشاح يغطيه، ويغطي صدرها وبطنها، وهي كذلك طويلة العنق، وفمها جميل لجمال وتناسق أسنانها، فأسنانها في بياضها كالأقحوان، وهي سبب البرء من السقم، وسبب السقم والهم والألم المبرح في آن معاً.
3. في الأبيات من البيت الثلاثين إلى البيت الثالث والثلاثين يتحدث ذو الرمة عن زوج مية، فالشاعر يبيت مجروحا معذبا، وهو يهنأ بمية في منامه، ولكنه يحاول إغاظة زوجها إذ يقول له إن قلب مية ليس لزوجها، بل للشاعر، ويقول إنهم لو تركوها تختار لاختارت ذا الرمة بكل تأكيد.
4. من البيت الرابع والثلاثين إلى البيت التاسع والثلاثين يتحدث الشاعر عن مية مرة أخرى، فيتحدث عن طول المسافة التي تفصل بينهما، وانه يقترب منها مهما بعدت، ويتحدث عن نعيب الغربان وشؤم هذا عليه، وقد شكا لها حبه فتصنعت الدلال عليه إلى أن رأت الحب قد بدأ ينال من جسمه.
¥