5. من البيت الأربعين إلى البيت التاسع والأربعين يخوض ذو الرمة في وصف طويل للصحراء ويخصص جزءا كبيرا لناقته، فيتحدث عن الفراغ الكبير الفسيح الذي يبهر العين، والجبال الصغيرة، والبئر التي يستقي منها الناس ويصف الناقة وهي ترتوي منها، ويصف زحف الحرباء، ويتوقف عند الناقة في وصف مستفيض، فهي بيضاء سريعة، تحمل غيرها على السير الشديد، ولا تقدر النوق على مجاراتها، ولها أذن لطيفة، وعظم شاخص خلفها، وهي طويلة، وخدها كالمرآة المنبسطة، وقدماه متسعتان في الوقوف والسير، فهي واسعة الخطوات.
6. من البيت الخمسين إلى البيت الحادي والستين يصف فيه الإبل، فهي سوداء كالليل، مسرعة في السير، وإذا ما زُجرت رفعت أذنابها وأطلقت للريح سيقانها، وتصلح للسفر الطويل لما لها من قدرة على التحمل، ورأسها شامخ، كأنها في عزة نفس عظيمة، وصيدها صعب جدا، فمن يريد اصطيادها يربض لها ساعة، لأنها إذا ما شعرت به تركض كأنها طير يطير، وتصير كأنها في الريح تسير، وتذهب إلى مكان مرتفع، ويخفي الغبار الذي يظهر بسبب ضرب قوائمها لرمل الصحراء.
7. من البيت الثاني والستين إلى البيت الثامن والستين يعود إلى محبوبته مية، فيشكو لها تقرّح كبده، وشوقه لها، وأنينه بالنهار وسهره بالليل، فما به من هجرها له يجعل الحصى يتصيح من حرّه.
ثالثا: العواطف:
تتعدد العواطف في هذه القصيدة، وتميزت بكونها صادقة، ويمكن لنا تفصيلها على النحو الآتي:
1. عاطفة الحزن وتتمثل في حزنه لبعده عن مية محبوبته، وزواجها من رجل غيره. (1 – 11، 34 - 39، 62 - 68)
2. عاطفة الألم والحسرة والشكوى، الم الهجر، والتحسر على ما هو فيه من عذاب، وشكوى الفراق والوَهَن والبَيْن، وتظهر في الأبيات التي تناول فيها الحديث عن مية. (1 – 11، 34 - 39، 62 - 68)
3. عاطفة الشوق لمية والرغبة في لقائها، وتظهر في الأبيات 3 و 14.
4. عاطفة الكره والحقد، وتظهر في حديثه عن زوج مية، فيكرهه لأنه اخذ منه مية، وينام مرتاح البال ويهنأ بها مساء، بينما ينام هو نوما قاسيا، وذلك في الأبيات 30 إلى 33.
5. عاطفة الحب، حب مية، وذلك في الأبيات 34 - 39
6. عاطفة الإعجاب بالصحراء وبالحيوان، ويبدو هذا جليا في الأبيات 40 إلى 61 حيث يصف الإبل، والناقة، والأرض الواسعة التي تبعد بينه وبين محبوبته مية.
رابعاً: الألفاظ:
1. جاءت ألفاظه جزلة وقوية، وغريبة بالنسبة لنا لأنها ألفاظ عصره وبيئته الصحراوية، حيث ذكر أسماء الأشياء بلغة البدوي، صاحب المَلكة القوية.
2. ظهرت في القصيدة أسماء المواضع، مثل "الخط" وهو موضع في البحرين
3. كانت ألفاظه غير وعرة إلى حد ما، حيث نجد في بعض المواضع سلاسة وسهولة في السير في طريق هذه الألفاظ، وفي أماكن أخرى كلمات يصعب علينها نطقها، وقد كانت في زمانه سهلة ومعتادة.
خامسا: المحسنات اللفظية:
لجأ ذو الرمة إلى مجموعة من المحسنات اللفظية التي ترددت في كثير من شعره، وهي على النحو التالي:
1. الطباق، ويظهر ذلك جليا في شعره، وهو عنصر مهم في تكوين صوره، ومن ذلك ما هو بين الأفعال مثل "ماتَ، وأحييتُ" في البيت الخامس والأربعين، وكان بين الأسماء والصفات مثل: "الحلم والجهل" في البيت الخامس، و"تدنو، وتزحزحُ" في البيت الرابع عشر، والنهار والليل في البيت السادس والستين.
2. الجناس، ظهر الجناس في كثير من الأبيات، وكان بين الأفعال وبين الأسماء، وهو كثير ومنه: "خطرت، خطرة" في البيت الثامن، و"يُمحى، ويمتحي" في البيت العاشر، و"الوعساء، وعساء" في البيت الثالث عشر، و"العاج، عيجت" في البيت السابع عشر، و"لاقحا، وتلقحُ" في البيت الحادي والخمسين، وغيرها كثير.
3. المقابلة، وقد لجأ إليها الشاعر في موازنته بين حاله وحال زوج مية، فهو ينام على الخشب وذاك ينام على الرمل المحدودب:
أبيتُ على مثلِ الأشافي وبعلُها يبيتُ على مثلِ النَّقا يتبطّحُ
سادسا: الصور الشعرية
تعددت الصور الشعرية في هذه القصيدة، وتنوعت بين تصويره لمية، وتصويره للصحراء، وتصويره لحاله، وقد تميزت هذه الصور بما يلي:
1. مستمدة من البيئة التي حوله.
2. مليئة بعنصر الحركة خصوصا حين يصف الإبل أو الناقة وسيرها في الصحراء، كقوله:
وحتى أتى يوم يكاد من اللظى به التوم في أفحوصه يتصيّحُ
فظلّ يصاديها فظلّت كأنها على هامها سربٌ من الطير لوّحُ
¥