ونحن نقول أيضا ما يقوله هؤلاء: القرآن كتاب هداية وإرشاد وشريعة، ولكن ما الذي يمنع أن يكون القرآن كذلك، وأن يكون كتابا منظما مرتبا وفق أسس وعلاقات رياضية؟ أليس هذا ابلغ في الإعجاز وأقوى؟ ونسأل هؤلاء: هل يرتب الله كل شيء في هذا الكون ابتداء من الذرة وانتهاء بالمجرة ويستثني كتابه الكريم؟ لماذا نقبل بالترتيب المحكم في الكون كله ونتردد في قبوله في القرآن؟ أليس خالق الكون هو منزل القرآن؟
لقد وفر لنا القرآن وجها من الإعجاز، يصلح لمخاطبة من ليست العربية لغته، فلماذا نتنكر له؟ ونصر على أن نظل بعيدين عن لغة العصر الذي نعيش فيه؟
(7) أخطاء الباحثين وصحة الإحصاءات:
ويجعل البعض من افتراض عدم الدقة في الإحصاءات، وما يمكن أن يقع فيه الباحثون في الإعجاز العددي من أخطاء في العد، سببا لرفض الإعجاز العددي جملة وتفصيلا، ويرون في تلك الأخطاء إساءة للقرآن والقول بغير علم، ودرءا للوقوع في المعصية، فالموقف الأسلم هو تجنب هذا النوع من الأبحاث. وقد يكون هذا الموقف نتيجة لدراسة رشاد خليفة حول الرقم 19 المعروفة كما أسلفنا.
في مواجهة هذه الحجة أقول: لا أظن أن من بين الباحثين من يتعمد الخطأ المقصود في الإحصاء، فالجميع يسعى لعمل يخدم به القرآن، طمعا بالأجر والثواب من عند الله. ومع افتراضنا صحة هذا الكلام نسبيا، فهو غير كاف لاتخاذ موقف رافض للإعجاز العددي، فإن كان البعض قد اخطأ، فالبعض قد أصاب. ولا يضر القرآن خطأ باحث، فالقرآن هو كتاب الله المحفوظ، ورعاية الله له لا تنقطع.
(8) الانتقائية لدى بعض الباحثين والتفسير المحدث:
ومن المعارضين من يرى في أبحاث الإعجاز العددي المتوفرة حاليا، انتقائية من الباحث لما يخدم تصورا مسبقا في نفسه، يصبح معه همه الوحيد أن يصل إلى ما يوافق هواه، وقد يضطر بسبب ذلك إلى الخلط بين منهجين في العد أو طريقتين، أو اللجوء إلى حساب أقل ما يوصف به أنه متكلف.
مع افتراض وجود هذا النوع من الدراسات، فهي أيضا ليست مبررا لرفض الإعجاز العددي جملة وتفصيلا، وليس من المقبول أن نحكم على جميع الدراسات من خلال دراسة ما نراها باطلة، هناك الدراسة الجادة والهادفة، وهناك الباطلة أو الرديئة، فلماذا نحمل هذه وزر تلك، ونرفض الاثنتين معا؟.
(9) عدم الحاجة إلى إعجاز جديد:
ومن الحجج الواهية التي يظن البعض أنها مبرر لرفض الإعجاز العددي: الزعم بعدم الحاجة إلى هذا الوجه من الإعجاز، حيث يرى أصحاب هذه الحجة، أن لدينا من وجوه الإعجاز ما يكفي.
إن على من يزعم أننا لسنا في حاجة إلى وجه إعجاز جديد، أن يدرك أن إعجاز القرآن لا حدود له , إنه المعجزة المتجددة في كل عصر وجيل , لكل عصر منه نصيب ولكل جيل منه نصيب , نحن اليوم نكتشف ما لم يكن القدماء يعرفون عنه شيئا , والأجيال القادمة ستكتشف ما لا علم لنا به , وأن أي اكتشاف في إعجاز القرآن سيكون له أثره في زيادة اليقين لدى المؤمنين به , ومدهم بما يثبتهم ويقوي من عزائمهم , وهذا من رحمة الله بنا.
10 - التكلف لدى الباحثين في الإعجاز العددي:
ويرى بعض معارضي الإعجاز العددي، أن سمة التكلف ظاهرة في أبحاث الإعجاز العددي، فالباحث يلجأ إلى الانتقائية واختيار ما يؤدي إلى غاية مسبقة في نفسه، وهو بذلك يحمل النص القرآني ما لا يحتمل بل ويخرج به عن أهدافه ومقاصده.
وعلى افتراض صحة هذه التهمة على بعض الأبحاث، فليست مبررا لرفض الإعجاز العددي جملة وتفصيلا. ففي كل علم هناك البحث الجيد وهناك البحث الرديء، ولا يجوز أن نحكم على الجيد بالرديء. أظن أن على من يحتجون " بالتكلف " أن تكون لهم معايير واضحة يستندون إليها في أحكامهم، وان تكون تلك المعايير معقولة وغير متكلفة أيضا، حتى لا يقعوا فيما يحتجون عليه.
ـ[مرهف]ــــــــ[03 Jan 2008, 08:11 م]ـ
الأخ عبد الله:
¥