ـ[أبو مالك العوضي]ــــــــ[06 Jan 2008, 07:48 ص]ـ
وفقك الله
نحن اتفقنا الآن على أن استعمال (اللسان) بمعنى اللغة والعكس موجود في كلام العرب، وهذه نقطة وفاق جيدة.
ونقطة الخلاف بيننا في الكثرة والقلة، وهذه المسألة قد يكون الخلاف فيها واسعا، ولكن أحب أن أسأل سؤالا:
ما المراد بالكثرة والقلة؟ هل المراد مثلا أن استعمال اللغة 40% واستعمال اللسان 60%؟
إن كان هذا هو المقصود، فخلافنا لفظي أو يكاد؛ لأن كل شيء في لغة العرب - وحتى في القرآن - تستطيع تصنيفه بهذه الطريقة إن استطعت الاستقراء، وستجد كثيرا من ألفاظ القرآن كذلك؛ لأن القرآن أحيانا يستعمل استعمالين أحدهما أكثر من الآخر.
أما إن كنت تقصد بالقلة والكثرة أن استعمال اللغة نادر لا يكاد يذكر، واستعمال اللسان هو الكثير الشائع الفاشي جدا في كلام العرب، فهذا هو الخطأ الذي أزعم أنه لم يقل به أحد من أهل العلم.
لم أقف على عالم واحد ممن صنف فيما يتعلق بالقرآن زعم هذا الزعم، فإن كان أحد قد وقف فليتفضل بذكره مشكورا.
وبغض النظر عن ذلك، فبالتتبع والنظر تجد عشرات العلماء المعروفين المشهورين المشهود لهم بأنهم أئمة في هذا المجال قد استعملوا هذين الاستعمالين، ولم يفرقوا بينهما، مثل الخليل وأبي عمرو وأبي عبيد وابن قتيبة وابن فارس والأزهري وغيرهم كثير جدا.
فحتى لو افترضنا أن بعض الناس فرق هذا التفريق فسيكون قولا شاذا مخالفا لباقي كلام أهل العلم، والشاذ لا عبرة به.
1 - يستعمل الطبري وغيره من أهل العلم كثيرا قولهم (العلم بلغة العرب) أو (العلماء بلغة العرب) وإنكار شهرة هذا الاستعمال لا يمكن، وغاية ما يمكن أن يقال: إن هذا الاستعمال منهم بعد عصور الاحتجاج.
وهذا إنما يقال عند عدم شهرة الكلام، أما عند الشهرة والاستفاضة البالغة مبلغ التواتر، فهو يغني عن النقل، مع أن النقل أيضا موجود.
وإذا سألنا من يقول إن هذا لحن لم تعرفه العرب عن أول من استعمل هذا الاستعمال (الملحون) فسيكون بين أمرين: إما أن ينكر كل ما ورد عن أهل العلم في عصور الاحتجاج كما سيأتي، وإما أن يدعي أن هؤلاء جميعا قد لحنوا، ويدعي أيضا أنهم مع لحنهم لم يجدوا عاقلا عارفا واحدا يصوب لهم هذا اللحن.
2 - عن جعفر بن محمد عن أبيه قال: ابلعي ماءك: اشربي بلغة الهند
3 - عن الضحاك أنه قال: إستبرق: الديباج الغليظ بلغة العجم
4 - في مسائل نافع بن الأزرق عن ابن عباس أنه قال: حوبا إثما بلغة الحبشة
5 - عن ابن عباس قال: السجل بلغة الحبشة الرجل
6 - عن وهب بن منبه قال: ما من اللغة شيء إلا منها في القرآن شيء، قيل: وما فيه من الرومية؟ قال: فصرهن يقول قطعهن.
7 - عن سعيد بن جبير قال: القسطاس بلغة الروم الميزان
8 - عن مجاهد قال: المشكاة الكوة بلغة الحبشة.
9 - عن داود بن أبي هند قال: يحور: بلغة الحبشة يرجع، ومثله عن عكرمة وابن عباس.
10 - عن سعيد بن جبير قال: يس: يا رجل بلغة الحبشة
وغير ذلك كثير تجده مبثوثا في كتب التفسير، ويمكنك الرجوع إلى النوع الثامن والثلاثين من الإتقان للسيوطي.
ومن شواهد ذلك في كلام العرب قول أمية بن أبي الصلت:
والوحش والأنعام كيف لغاتها ........................ والعلم يقسم بينهم ويبدد
وفي الطبري: (لغات أحياء من قبائل العرب مختلفة الألسن)
وفيه أيضا: (لا تدافع بين جميع أهل المعرفة بلغات العرب وألسنها)
وفيه أيضا: (فنقول الآن .... بأي ألسن العرب أنزل: أبألسن جميعها أم بألسن بعضها؟ إذ كانت العرب وإن جمع جميعها اسم أنهم عرب، فهم مختلفو الألسن بالبيان)
وفيه أيضا: (صح وثبت أن الذي نزل به القرآن من ألسن العرب البعض منها دون الجميع، إذ كان معلوما أن ألسنتها ولغاتها أكثر من سبعة)
والله تعالى أعلم.
ـ[محمد عمر الضرير]ــــــــ[06 Jan 2008, 08:41 م]ـ
بارك الله فيك أخي الحبيب وأقدر لك هذا المجهود الطيب وهمتك العالية عموما.
ولكونك لا تختلف معي في اتساع مفهوم اللسان، وأنه هو الأشمل، وهذا لا شك ليس بغائب عن علماء الأمة سلفا و خلفا، ومن ثم يمكنك تصور كم سيكون كم الأمثلة في ذلك.
ثم يا أخي الكريم يقول الخالق عز وجل {لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ} النحل103، أترى الخالق سبحانه استخدم لفظ اللسان وأعرض عن اللغة وهما مستويان في الدلالة؟! أم أنه - وكما تعلم- أن القرآن نزل بالأفصح والأشهر، وهل تجد في القرآن الكريم ذكر اللسان بمعنى اللهجة أم بمعنى لغة شعب من الشعوب المتباينة؟! أفنتبع اختيار القرآن أم أقوال الإنسان؟!
أما قولك سابقا:" وقد فسر أهل العلم قوله تعالى: {بلسان قومه} أي بلسان قريش، وهذا يدل على أن اللسان عندهم يطلق على اللهجة أيضا.
وبوب البخاري في صحيحه (باب نزل القرآن بلسان قريش)، ثم ذكر أثر عثمان بن عفان: إذا اختلفتم في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش، فإنما نزل بلسانهم".
فمن الطبيعي قول ذلك لأن لسان قريش يمثل اللسان العربي أكثر من غيره - لما تعلمه وإخوتنا في الملتقى من أسباب ذلك- فكأن لسان قريش هو الممثل للسان العربي في قمة فصاحته قاطبة.
ومربط الفرس والذي أردت الوصول إليه منذ البداية ولم تخالفني فيه - كما ذكرت- إتساع مدلول اللسان، ومن ثم فعندما نطلق هذا اللفظ على لغة خاصة وأقوام مختلفة في الدين والعرق والثقافة الخ، فهذا هو الدقيق والأصح تلاءما مع الاستخدام القرآني الذي نزل بلسان عربي مبين جريا على أساليب العرب في الخطاب.
وعليه يطلق لفظ اللغة على ما دون ذلك كقضية اللهجات في الاصطلاح المتأخر.
ودعني أسالك - أخي العزيز- أنت بشخصك الكريم إذا تحدثت عن لغة قوم آخرين كالروم أو الفرس أو اليونان في بحث لك شرعي،هل ستصف لغتهم بقولك: لسان الفرس أو الروم الخ؟ أم أنك تفضل القول: لغة كذا؟!
وفقني الله وإياك.
¥