قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ النَّسَفِيُّ (ت:710هـ): ({يَتَسَاءَلُونَ}: يَسْأَلُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، أَوْ يَسْأَلُونَ غَيْرَهُمْ مِنَ المُؤْمِنِينَ). [مدارك التنزيل:3/ 1914]
قالَ عُمَرُ بنُ عَلِيِّ بْنِ عَادِلٍ الدِّمَشْقِيُّ الحَنْبَلِيُّ (ت:880هـ): (قالَ ابنُ الخَطِيبِ: ويُحْتَمَلُ أَنَّهُمْ يَسْأَلُونَ الرسولَ صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّمَ ويقولُون: ما هذا الَّذِي تَعِدُنَا بِهِ مِنْ أمرِ الآخرَةِ؟). [اللباب: 20/ 92 - 93]
قالَ أَبُو السُّعُودِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ العِمَادِيُّ الحَنَفِيُّ (ت:982هـ): ({يَتَسَاءَلُونَ} كقَوْلِهم: يَتَدَاعُونَهم أو يُدَعَّونَهُم ... فالمعنى: عنْ أيِّ شيءٍ يَسْأَلُ هؤلاءِ القومُ الرسولَ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ والمؤمنينَ؟
وتَحْقِيقُهُ أنَّ صيغةَ التفَاعُلِ في الأفعالِ المُتَعَدِّيَةِ مَوْضُوعَةٌ لإفادةِ صُدُورِ الفعلِ عن المُتَعَدِّدِ وَوُقُوعِهِ عليهِ، بحيثُ يَصِيرُ كُلُّ واحِدٍ مِنْ ذلكَ فاعِلاً ومفعولاً معاً، لكنَّهُ يُرْفَعُ بإسنادِ الفعلِ إليهِ تَرْجيحاً لجانِبِ فاعِلِيَّتِهِ، ويُحَالُ بمفعولِيَّتِهِ على دلالةِ العقلِ، كما في قوْلِكَ: تَراءَى القومُ؛ أيْ: رأَى كلُّ واحِدٍ مِنهم الآخَرَ، وقدْ تَجَرَّدَ عن المعنى الثاني، فيُرَادُ بها مُجَرَّدُ صُدُورِ الفعلِ عن المُتَعَدِّدِ عارِياً عن اعْتِبَارِ وُقُوعِهِ عليهِ، فيُذْكَرُ للفعلِ حينَئذٍ مفعولٌ مُتَعَدِّدٌ كما في المثالِ المذكورِ، أوْ واحدٌ كما في قولِكَ: تَراءَوُا الهلالَ.
وقدْ يُحْذَفُ لظُهُورِهِ، كما فيما نحنُ فيهِ، فالمعنى: عنْ أيِّ شيءٍ يَسْأَلُ هؤلاءِ القومُ الرسولَ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ والمؤمنينَ؟
ورُبَّمَا تَجَرَّدَ عنْ صُدُورِ الفعلِ عن المُتَعَدِّدِ أيضاً، فيُرادُ بها تَعَدُّدُهُ باعتبارِ تَعَدُّدِ مُتَعَلِّقِهِ معَ وَحْدَةِ الفاعلِ، كما في قولِهِ تعالى: {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكَ تَتَمَارَى}). [إرشاد العقل السليم: 7/ 84]
مأخذ هذا القول
قلت: (هَذَا القَولُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ فِعْلَ (يَتَسَاءَلُونَ) مُتَعَدٍّ لإفَادَةِ تَكَرُّرِ وُقُوعِ السُّؤَالِ مِنهُم).
الإعراب
مفعول (يتساءلون)
القول الأول: الفعل لازم غير متعد فلا مفعول له
قلت: (وَعَلَيهِ يُحْمَلُ قَولُ جمهور المفَسِّرينَ مِن أَنَّ المعْنَى: يَسْأَلُ بَعْضُهمْ بَعضاً).
القول الثاني: المفعول جملة (عن النبأ العظيم)
قالَ مُحَمَّدُ بنُ طَيْفُورَ السَّجَاوَنْدِيُّ (ت:560هـ): (وقَوْلُهُ: {عَنِ النَّبَأِ} مَفْعُولُ: {يَتَسَاءَلُونَ} مُتَّصِلٌ بِهِ). [علل الوقوف:1079 - 1080]
قالَ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الكَرِيمِ الأَشْمُونِيُّ (ت: ق11هـ): (فقولُهُ: {عَنِ النَّبَأِ الْعَظِيمِ} مَفُعولُ يَتَسَاءَلُونَ). [منار الهدى:296]
القول الثالث: المفعول محذوف تقديره: يتساءلون الرسولَ صلى الله عليه وسلم والمؤمنين
قالَ مَحْمُودُ بْنُ عُمَرَ الزَّمَخْشَرِيُّ (ت:538هـ): ({يَتَسَاءَلُونَ}: يَسْأَلُ بعضُهم بعضاً، أو يَتَسَاءَلُونَ غيرَهم مِن رسولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والمؤمنينَ، نحوَ: يَتَدَاعَوْنَهُم ويَتَرَاءَوْنَهم). [الكشاف: 6/ 294]
قالَ فَخْرُ الدِّينِ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الرَّازِيُّ (ت:604هـ): (والاحتمالُ الثالث: أنهم كانوا يَسألونَ الرسولَ ويَقولون: ما هذا الذي تَعِدُنا به مِن أَمْرِ الآخِرةِ؟). [مفاتيح الغيب: 31/ 4]
قالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ البَيْضَاوِيُّ (ت:691هـ): (والضميرُ لأهْلِ مَكَّةَ، كانوا يَتساءلون عن البَعْثِ فيما بينَهم، أو يَسْأَلُونَ الرَّسولَ عليه الصلاةُ والسلامُ والمؤمنينَ عنه استهزاءً). [أنوار التنزيل: 2/ 1124 - 1125]
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ النَّسَفِيُّ (ت:710هـ): ({يَتَسَاءَلُونَ}: يَسْأَلُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، أَوْ يَسْأَلُونَ غَيْرَهُمْ مِنَ المُؤْمِنِينَ). [مدارك التنزيل:3/ 1914]
قالَ نِظَامُ الدِّينِ الحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ القُمِّيُّ (ت:728هـ): (ويَجُوزُ أَنْ يكونَ المفعولُ محذوفاً؛ أَيْ: يَتَساءَلُونَ النَّبِيَّ والمُؤْمنِينَ، نَحْوَ: تَرَاءَيْنَا الهِلاَلَ). [غرائب القرآن: 30/ 6]
¥