قالَ عُمَرُ بنُ عَلِيِّ بْنِ عَادِلٍ الدِّمَشْقِيُّ الحَنْبَلِيُّ (ت:880هـ): (قالَ ابنُ الخَطِيبِ: ويُحْتَمَلُ أَنَّهُمْ يَسْأَلُونَ الرسولَ صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّمَ ويقولُون: ما هذا الَّذِي تَعِدُنَا بِهِ مِنْ أمرِ الآخرَةِ؟). [اللباب: 20/ 92 - 93]
قالَ أَبُو السُّعُودِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ العِمَادِيُّ الحَنَفِيُّ (ت:982هـ): ({يَتَسَاءَلُونَ} كقَوْلِهم: يَتَدَاعُونَهم أو يُدَعَّونَهُم ... فالمعنى: عنْ أيِّ شيءٍ يَسْأَلُ هؤلاءِ القومُ الرسولَ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ والمؤمنينَ؟). [إرشاد العقل السليم: 7/ 84]
قالَ مُحَمَّد صِدِّيق حَسَن خَان القَنُوجِيُّ (ت:1307هـ): (قالَ الرَّازِيُّ: وَيُحْتَمَلُ أنَّهُم يَسْأَلُونَ الرسولَ وَيقولونَ: ما هذا الذي تَعِدُنَا بهِ مِنْ أمرِ الآخرةِ؟). [فتح البيان: 15/ 29]
قلت: (وهذا القولُ مبناهُ عَلَى أَنَّ صِيغَةَ (تَفَاعَلَ) لا يَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ بينَ مُتَقَابلينِ كِلاهُمَا فَاعِلٌ ومَفعُولٌ كَمَا في تَقَاتَلَ القَومُ وتَرَاءَى الْجَمْعَانِ، بَلْ قَدْ تَكُونُ مِنْ طَرَفٍ وَاحِدٍ كَمَا فِي قَولِهم: تَرَاءَوُا الهِلالَ، وَتُفِيدُ هَذِه الصيغَةُ تَكَرُّرَ وُقُوعِ الفِعْلِ).
سبب حذف المفعول على هذا القول
قالَ مَحْمُود الأَلُوسِيُّ (ت:1270هـ): (فالتساؤلُ مُتَعَدٍّ، ومفعولُه مُقَدَّرٌ هنا، وحُذِفَ لظُهورِه, أو لأنَّ الْمُسْتَعْظَمَ السؤالُ بقَطْعِ النظَرِ عمَّنْ سَأَلَ، أو لِصَوْنِ المسؤولِ عن ذِكْرِه مع هذا السائلِ). [روح المعاني: 29/ 3]
الصرف
مبحث في صيغة (تفاعل)
معاني صيغة (تفاعل)
المعنى الأول: إفادة وقوع الفعل من طرفين على جهة التقابل
مثاله: تراءى الجمعان، وتقابل الخصمان، وتجادلا، وتناظرا
قالَ أَبُو السُّعُودِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ العِمَادِيُّ الحَنَفِيُّ (ت:982هـ): ({يَتَسَاءَلُونَ} كقَوْلِهم: يَتَدَاعُونَهم أو يُدَعَّونَهُم، وتَحْقِيقُهُ أنَّ صيغةَ التفَاعُلِ في الأفعالِ المُتَعَدِّيَةِ مَوْضُوعَةٌ لإفادةِ صُدُورِ الفعلِ عن المُتَعَدِّدِ وَوُقُوعِهِ عليهِ، بحيثُ يَصِيرُ كُلُّ واحِدٍ مِنْ ذلكَ فاعِلاً ومفعولاً معاً، لكنَّهُ يُرْفَعُ بإسنادِ الفعلِ إليهِ تَرْجيحاً لجانِبِ فاعِلِيَّتِهِ، ويُحَالُ بمفعولِيَّتِهِ على دلالةِ العقلِ، كما في قوْلِكَ: تَراءَى القومُ؛ أيْ: رأَى كلُّ واحِدٍ مِنهم الآخَرَ). [إرشاد العقل السليم: 7/ 84]
نقله مَحْمُود الأَلُوسِيُّ (ت:1270هـ) [روح المعاني: 29/ 3]
قال عبدُ الملكِ بنُ محمدِ بنِ إسماعيلَ النَّيْسابوريُّ الثَّعالبيُّ (ت: 430هـ): (تَفَاعَلَ يكونُ بينَ اثنينِ بينَ الجماعةِ؛ نحوُ: تَجَادَلاَ وتَنَاظَرَا وتَحَاكَمَا. اهـ). [فقهِ اللغةِ: 1/ 86]
قال يوسُفُ بنُ أبي بكرِ بنِ محمدٍ السَّكَّاكيُّ (ت: 626هـ): (تفاعَلَ يكونُ من الجانبينِ صَريحًا؛ نحوُ: تشارَكَا. اهـ). [مِفْتاح العلوم: 1/ 20]
قال ابنُ الحاجبِ عثمانُ بنُ عمرَ بنِ أبي بكرٍ الدُّوَِينيُّ (ت: 646هـ): (وتفاعَلَ لمشاركةِ أمرَيْن فصاعدًا في أصلِه صريحًا؛ نحوُ: تَشَارَكَا، ومِن ثَمَّ نقَصَ مفعولاً عن "فاعَلَ". اهـ). [الشافية في علم التصريف: 1/ 20]
وقال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ مالكٍ الطائيُّ الأَنْدَلُسيُّ (ت: 672هـ): (وأما تفاعَلَ الذي للاشتراكِ في الفاعليةِ لفظًا، وفيها وفي المفعوليةِ معنًى؛ كـ: تضارَبَ زيدٌ وعمرٌو. فـ (زيدٌ وعمرٌو) شريكان في الفاعليةِ لفظًا، ولذلك رُفِعا، وهما من جهةِ المعنى شريكانِ في الفاعليةِ والمفعوليةِ؛ لأنَّ كلَّ واحدٍ منهما قد فعَل بصاحبهِ مثلَ ما فعَلَ به الآخَرُ. اهـ). [شرحِ التسهيلِ: 3/ 454]
المناسبة:
قلت: (حَمَلَ جَمَاهِيرُ المُفَسِّرينَ قولَه تَعَالَى: {يَتَسَاءَلُونَ} عَلَى هَذَا المعْنَى، أي: يَسْأَلُ بَعْضُهُم بَعْضَاً)
المعنى الثاني: إفادة وقوع الفعل من متعدد في طرف واحد على مفعول واحد
مثاله: تراءوا الهلالَ
¥