المعنى التاسع: مُطاوَعَةُ (فاعَلَ) الذي بمعنى (أَفْعَلَ):
قال المُبَرِّدُ محمدُ بن يزيدَ الثماليُّ (ت: 285هـ): (المطاوعةُ، وذلك نحوُ: ناوَلْتُه فتَنَاوَلَ. وليس كقولِك: كسَرْتُه فانكَسَر؛ لأنك لم تُخْبِرْ في قولِك: انْكَسَرَ. بفعلٍ منه على الحقيقةِ، وأنت إذا قلتَ: قدَّمْتَه فتقَدَّم، وناوَلْتَه فتَنَاوَلَ. تُخْبِرُ أنه قد فعَلَ على الحقيقةِ ما أرَدْتَ منه، فإنما هذا كقولك: أدْخَلْتُه فدَخَل). [المُقْتَضَب: 1/ 78]
قال محمودُ بنُ عمرَ الزَّمَخْشَرِيُّ (ت: 538هـ): (وَمُطَاوعُ فاعَلْتُ؛ نحوُ: باعَدْتُه فتَبَاعَدَ). [المُفَصَّلِ: 1/ 372]
قال ابنُ الحاجبِ عثمانُ بنُ عمرَ الدُّوَِينيُّ (ت: 646هـ): (وَمُطَاوِعُ (فاعَلَ)؛ نحوُ: باعَدَتُه فتَبَاعَدَ). [الشافيةِ: 1/ 20]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ مالكٍ الطائيُّ الأَنْدَلُسيُّ (ت: 672هـ): (والذي لمطاوعةِ (فاعَلَ) فكـ: باعَدْتُه فتَبَاعَدَ، وضاعَفْتُ الحسابَ فتَضَاعَفَ). [شرحِ التسهيلِ: 3/ 455]
قال جَلالُ الدينِ عبدُ الرحمنِ بنُ أبي بكرِ السيوطيُّ (ت: 911هـ): (ومطاوعةِ (فاعَلَ)؛ كـ: باعَدْتُه فتَبَاعَدَ، وضاعَفْتُ الحسابَ فتَضَاعَفَ). [همع الهوامع: 3/ 304]
قال أحمدُ بنُ محمدٍ الحَمَلاويُّ (ت: 1351هـ): (مطاوعةُ (فاعَلَ)؛ كـ: باعَدْتُه فتَبَاعَدَ). [شَذَا العَرْفِ: 36]
تَعَدِّي صيغة (تَفَاعَلَ) ولُزُومُها:
قلت: (لا يَخْلُو الفِعْلَ قَبْلَ دَخُولِ التَّاءِ عَلَيهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُتَعَدِّيًا إِلَى مَفْعُولَينِ أَو إِلَى مَفْعُولٍ وَاحِدٍ، فَإِذَا دَخَلَتِ التَّاءُ عَلَيهِ قَصَرَتِ الأَوَّلَ إِلَى مَفْعُولٍ وَاحِدٍ، وَصَارَ الثَّانِي لازِمَاً).
لزوم الفعل المتعدي إلى مفعول واحد بعد دخول التاء عليه
قال محمودُ بنُ عمرَ بنِ محمدٍ الزَّمَخْشَرِيُّ (ت: 538هـ): (ولا يَخْلُو من أن يكونَ من (فاعَلَ) المتعدِّي إلى مفعولٍ، أو المتعدِّي إلى مفعولين، فإن كان من المتعدِّي إلى مفعولٍ؛ كـ: ضارَبَ. لم يَتَعَدَّ). [المُفَصَّلِ: 1/ 371]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ ابنُ مالكٍ الطائيُّ (ت: 672هـ): (فلو كان التعدِّي دونَ التاءِ إلى واحدٍ لَعُدِمَ بوجودِها؛ نحوُ: ضارَبَ زيدٌ عَمْرًا، وتَضَارَبَ زيدٌ وعمرٌو، وأدَّبْتُ الصبيَّ، وتأدَّب الصبيُّ). [شرحِ التسهيلِ:؟؟]
قال ابنُ هشامٍ عبدُ اللهِ بنُ يوسُفَ الأنصاريُّ (ت: 761هـ): (وإن كانَ متَعدِّيًا إلى واحدٍ فإنه يَصِيرُ قاصِرًا؛ نحوُ: تَضَارَبَ زيدٌ وعمرٌو، إلا قليلاً؛ نحوُ: جاوَزْتُ زيدًا وتجاوَزْتُه). [مغني اللبيبِ: 2/ 599]
قصر المتعدي إلى مفعولين على مفعول واحد
قال محمودُ بنُ عمرَ بنِ محمدٍ الزَّمَخْشَرِيُّ (ت: 538هـ): (وإن كان من المتعدِّي إلى مفعولين؛ نحوُ: نازَعْتُه الحديثَ، وجاذَبْتُه الثوبَ، وناسَيْتُه البغضاءَ، تعَدَّى إلى مفعولٍ واحدٍ؛ كقولِك: تَنَازَعْنا الحديثَ، وتجاذَبْنا الثوبَ، وتناسَيْنا البغضاءَ). [المُفَصَّلِ: 1/ 371]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ ابنُ مالكٍ الطائيُّ (ت: 672هـ): (وَإنْ كَانَ (تَفَاعَلَ) أو (تفَعَّل) متَعَدِّيًا دونَ التَّاءِ إلى مفعُولَينِ، تَعَدَّى بالتَّاءِ إلَى مفعُولٍ واحِدٍ: فمنْ مثلِ ذلك في (تفاعَلَ): نازَعْتُه الحديثَ، وناسَيْتُه البغضاءَ، وتنازَعْنا الحديثَ، وتناسَيْنا البغضاءَ، ومن مثلِ ذلك في (تفَعَّلَ): عَلَّمْتُه الرمايةَ فتعَلَّمَها، وجنَّبْتُه الشرَّ فتجَنَّبَه؛ فَصَارَ (تَنَاسَى) وَ (تَنَازَع) متعدِّيَيْنِ إلى مَفعُولٍ واحِدٍ حينَ وُجِدَت التاءُ؛ لأنَّهُمَا كَانَا قَبلَ وُجُودِها مُتَعَدِّيَيْنِ إلى مفعُولَيْنِ، وَكَذَا (تعَلَّم) وَ (تجَنَّب)). [شرحِ التسهيلِ:؟؟]
قال ابنُ هشامٍ عبدُ اللهِ بنُ يوسُفَ الأنصاريُّ (ت: 761هـ): (إن كانَ قبلَ دخولِ التاءِ متعدِّيًا إلى اثنينِ فإنَّه يَبْقَى بعدَ دخولِها متعدِّيًا إلى واحدٍ؛ نحوُ: عاطَيْتُه الدَّرَاهِمَ، وتَعَاطَيْنا الدَّرَاهِمَ). [مغني اللبيبِ: 2/ 599]
مناسبة إيراد هذه المسألة
قلت: (أَصلُ (يَتَسَاءَلُونَ) (سَاءَل) وَهُو مُتَعَدٍّ إِلَى مَفْعُولٍ وَاحِدٍ، فَلا يَتَعَدَّى بَعْدَ دُخُولِ التَّاءِ؛ فَيكُونُ مَا ذَكَرَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ احْتِمَالاً في تَفسيرِ الآيَةِ وَنَصَرَهُ أَبُو السُّعُودِ مِنْ أَنَّ المعْنَى: يَتَسَاءَلونَ الرَّسُولَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ والمُؤْمِنينَ، خِلافاً لِمُقتَضَى قَواعِدِ اللغَةِ وَدَلالاتِهَا، وَالمعْنَى الصَّحِيحُ: يَسْأَلُ بَعضُهم بَعضاً، وَهُو الَّذِي عَليهِ جمهور المفَسِّرينَ.
وهذه بخلاف ساءل التي فيها معنى الطلب كما يقال: ساءل بنو زيد بني عمروٍ أموالهم؛ ومنه قوله تعالى: (ولا يسألكم أموالكم) فإنها عند دخول التاء عليها تقصر على مفعول واحدٍ يلزم ذكره، فيقال: يتساءلون أموالهم، ويقال في الاستفهام: ماذا يتساءلون؟
ولا يقال -عند إرادة هذا المعنى -:عم يتساءلون؟).
الخلاصة:
معنى قوله تعالى: (يتساءلون) أي يسأل بعضهم بعضاً، وتفيد هذه الصيغة تكرر وقوع الفعل منهم، وهو أسلوب معروف عند العرب، قال الكلحبة العرني:
تُسائلني بنو جشم بن بكر أغراء العرادة أم بهيمُ
هي الفرس التي كرت عليهم عليها الشيخُ كالأسد الكليمُ
وقال السمهري العكلي وعداده في شطار الإسلاميين:
لقد جمع الحداد بين عصابة تساءل في الأسجان ماذا ذنوبها
فائدة:
بتأمل أقوال المفسرين في القول الثاني يتبين أن كتاب اللباب في علوم الكتاب لابن عادل الحنبلي من المصادر التي اعتمد عليها الشوكاني في تفسيره، وذلك أن الرازي لما قال عقب شرحه لكلام الفراء: وهذا قول الفراء، ظن ابن عادل أنه نص كلام الفراء فنسبه إليه، وتبعه على ذلك الشوكاني.
¥