تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وأمّا المعتزلة فقد أثبتوا الحسن والقبح الذاتيين في حالة عدم إرسال رسول؛ فقالوا: إنّ العقل يثبت به وجوب كثير من الأحكام، وحرمة كثير، لا سيما معرفة الله تعالى، لأنّ المعرفة دافعة للضرّ المظنون، وهو الضرّ الأخروي، من لحاق العذاب في الآخرة، حيث أخبر عنه جمع كثير، وخوف ما يترتَّب على اختلاف الفِرق في معرفة الصانع قبل المعرفة الصحيحة من المحاربات، وهو ضرّ دنيويّ، وكلّ ما يدفع الضرّ المظنونَ أو المشكوك واجب عقلاً، كمن أراد سلوك طريق فأخبر بأنّ فيه سَبُعاً، فإنّ العقل يقتضي أن يتوقّف ويبحث حتّى يعلم أيسلك ذلك الطريق أم لا، وكذلك وجوب النظر في معجزة الرسل وسائر ما يؤدّي إلى ثبوت الشرائع.

3 ـ إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآَيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (44)

وأمّا جمهور المسلمين وهم أهل السنّة من الصّحابة فمن بعدهم فهي عندهم قضيّة مُجملة، لأنّ ترك الحكم بما أنزل الله يقع على أحوال كثيرة؛ فبيان إجماله بالأدلّة الكثيرة القاضية بعدم التكفير بالذنوب

4 ـ وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ (86)

وقد ذكر صاحب» المقاصد» أنّ إرسال الرّسل محتاج إليه، وهو لطف من الله بخلقه وليس واجباً عليه. وقالت المعتزلة وجمع من المتكلمين (أي من أهل السنّة) ممّا وراء النّهر بوجوب إرسال الرّسل عليه تعالى.

5 ـ وفي قوله: {وجعلها كلمة باقيةً في عقبه} إشعار بأن وحدانية الله كانت غير مجهولة للمشركين، فيتجه أن الدعوة إلى العلم بوجود الله ووحدانيته كانت بالغة لأكثر الأمم بما تناقلوه من أقوال الرّسل السابقين، ومن تلك الأمم العرب، فيتجه مؤاخذَةُ المشركين على الإشراك قبل بعثة محمد صلى الله عليه وسلم لأنهم أهملوا النظر فيما هو شائع بينهم أو تغافلوا عنه أو أعرضوا. فيكون أهل الفترة مؤاخذين على نبذ التوحيد في الدّنيا ومعاقَبين عليه في الآخرة وعليه يُحمل ما ورد في صحاح الآثار من تعذيب عَمرو بن لُحيَ الذي سنّ عبادة الأصنام وما روي أن امرأ القيس حامل لواء الشعراء إلى النّار يوم القيامة وغير ذلك. وهذا الذي يناسب أن يكون نظر إليه أهل السنة الذين يقولون: إن معرفة الله واجبة بالشرع لا بالعقل وهو المشهور عن الأشعري، والذين يقولون منهم: إن المشركين من أهل الفترة مخلَّدون في النّار على الشرك. وأما الذين قالوا بأن معرفة الله واجبة عقلاً وهو قول جميع المَاتريدية وبعض الشافعية فلا إشكال على قولهم.

6 ـ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23)

فدلالة الآية على أن المؤمنين يرون بأبصارهم رؤية متعلقة بذات الله على الإِجمال دلالة ظنية لاحتِمَالها تأويلات تأوَّلَها المعتزلةُ بأن المقصود رؤية جلاله وبهجة قدسه التي لا تخوِّل رؤيتها لغير أهل السعادة.

ويلحق هذا بمتشابه الصفات وإن كان مقتضاه ليس إثبات صفة، ولكنه يؤول إلى الصفة ويستلزمها لأنه آيل إلى اقتضاء جهة للذات، ومقدارٍ يُحَاطُ بجميعه أو ببعضِه، إذا كانت الرؤية بصرية، فلا جرم أن يُعد الوعد برؤية أهل الجنة ربَّهم تعالى من قبيل المتشابه.

ولعلماء الإِسلام في ذلك أفهام مختلفة، فأما صدر الأمة وسلفها فإنهم جَروا على طريقتهم التي تخلقوا بها من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم من الإِيمان بما ورد من هذا القبيل على إِجماله، وصرف أنظارهم عن التعمّق في تشخيص حقيقته وإدراجه تحت أحد أقسام الحكم العقلي، فقد سمعوا هذا ونظائره كلَّها أو بعضَها أو قليلاً منها، فيما شغلوا أنفسهم به ولا طلبوا تفصيله، ولكنهم انصرفوا إلى ما هو أحق بالعناية وهو التهمّم بإقامة الشريعة وبثّها وتقرير سلطانها، مع الجزم بتنزيه الله تعالى عن اللوازم العارضة لظواهر تلك الصفات، جاعلين إِمامهم المرجوع إليه في كل هذا قولَه تعالى: {ليسَ كمثله شيء} [الشوى: 11]، أو ما يقارب هذا من دلائل التنزيه الخاصة بالتنزيه عن بعض

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير