ـ[أبو فهر السلفي]ــــــــ[09 Sep 2009, 11:44 م]ـ
وبارك الله فيك على مدارستك النافعة ..
ـ[عبدالله الشهري]ــــــــ[10 Sep 2009, 02:47 ص]ـ
وتكلم المستشرق الألماني برجشتراسر في اختلاف الألسنة , وسمَّاه التطور اللغوي , وتبعه على ذلك د. رمضان عبد التواب وغيره (1) , وأخذوا تلك التسمية من كلام دارون وأصحابه في التطور , وكلامهم كله باطل , وقول الله تعالى هو الحق المبين , والألسنة لا تتطور , ولكنها تختلف.
أخي أبا فهر، ائذن لي بتعليق مختصر على هذه الجزئية.
نعم تكلم برجشتراسر عما ذكرت، وسماه ما ذكرت، ولكن عنوان كتابه "التطور النحوي"، وليس اللغوي كما قد يتبادر إلى أذهن البعض. كذلك نعم تبعه رمضان عبد التواب رحمه الله ولكن تبعه في ماذا؟ فإني أراك - ولا تؤاخذني - جازفت بالإطلاق وجمعت السيء مع الحسن ثم عممتهما بحكم واحد هو غاية في التعميم بقولك "وكلامهم كله باطل". نعم أصل التسمية ناشيء عن تلك الحقبة التي انتشرت فيها نظرية دارون ولكن المبدأ الذي تقوم عليه نظرية دارون كما أراده هو مبدأ مقيّد ألا وهو "التطور من أجل الترقي"، وتبعه على ذلك مئات العلماء في أكثر من حقل، حتى في العلوم الإجتماعية والطبيعية وكذلك اللسانية، ومبدأ التطور المدفوع بقوة الترقي ير ى أن كل شيء في الوجود كان بدائياً وفوضوياً: اللغة، الإنسان، الكائنات، العلوم والمعارف، بل حتى الكون ثم أخذ في التطورالتلقائي - لأنهم ينكرون الخالق - باتجاه التنظيم والكمال ( Progress towards perfection) كما يقولون ... والكلام يطول في هذا المقام ولكن الخلاصة أمران:
الأول: وهو الأهم أن الدكتور رمضان عبدالتواب لم يتبنى إطلاقاً هذا التطور بهذه الصورة، فهو لم يلمح ولم يصرح أن الإنسان أو لغته تطورا تطوراً داروينياً أي من العي والعجز عن الكلام إلى هذا التعقيد والتنوع اللغويان. وهذا الإتجاه يسمى بالاتجاه التلخيصي ( reductionistic) وموجزه أن "اللغة البشرية نشأت في الأساس من محاكاة الأصوات الطبيعية، ثم ارتقت بارتقاء عقلية الإنسان وتقدم الحضارة، وهي في ذلك نمط من أنماط النظرية التلخيصية التي ترى بأن نمو الفرد يلخص نمو الإنسان، ومن ثم فالتطور الذي يحدث للطفل حين ينتقل من مرحلة الصراخ والإنفعالات إلى مرحلة النطق البطيء غير المكتمل، ثم يصل إلى مرحلة اللغة الكاملة - يماثل التطور الذي حدث للإنسان فلغة الإنسان البدائي تماثل لغة الطفل الأول مثلما تماثل لغة الإنسان الحالي لغة الراشدين" [1]. هذا هو الفرض المغلوط للتطور ولم يتبناه الدكتور رمضان ولم يقصده وإنما قصد بالتطور التغير المستمر الذي ينال اللغات عبر الأزمان، وقد بين هذا بنقولاته المفيدة في أول كتابه (التطور اللغوي، ص 10 - 14) [2]، وأما جمع كلامه مع كلام برجشتراسر في سلة واحدة ثم وصمهما بحكم واحد فتجن على الدكتور رحمه الله الذي سائر كتابه من ص 24 إلى آخره شاهد على منهجه ومدعم بالأدلة والنقولات الرصينة، فكلامه كله عن التغير المستمر لا عن حالة نقص وتخلف تترقى مع مرور الوقت إلى حالة كمال وتقدم.
الأمر الثاني: أن علماء التطور المتأخرين أنكروا على دارون مبدأه المذكور وعلى رأسهم عظيمهم وكبيرهم المعروف بـ ستيفن جي جاود ( Stephen Jay Gould) الذي بين فساد هذا المبدأ، وبين أن التطور موجود ولكنه على شكل افقي لا عمودي، أي ليس باتجاه كمال مستقبلي مزعوم بل باتجاهات مختلفة ومتباينة تختلف باختلاف الظروف والأحوال [3]، وهذا بالضبط هو معنى التطور الذي سلكه رمضان عبدالتواب، بمعنى التغير والتبدل المستمرين، لأن اللغة كما يقول "ظاهرة اجتماعية" (التطور اللغوي، ص9) ... ويكفي من القلادة ما أحاط بالعنق.
أما الحديث حول الحقيقة والمجاز فقد ناقشتك في غير هذا الموضع.
= = = = = = = = = = = == = = =
[1] سيكولوجية اللغة، ص 17. وقد تمسك الدكتور أنيس إبراهيم رحمه الله بطرف من هذا المنهج في تصويره لنشأة اللغة (انظر: في علم اللغة العام، عبدالصبور شاهين، ص77). وهو منهج خطأ ولكن التخطئة تحتاج إلى تفصيل أيضاً، وإلا فآدم قد تلقى وتفوه بأرقى لغة ((رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ))، وكذلك ابني آدم إذ قربا قرباناً، فقد تحدثا بمعان لغوية راقية ومجردة بعكس ما ذهب إليه الدكتور أنيس من أن الإنسان الأول إنما تكلم للهو واللعب مع قلة معنى.
[2] ولا تغتر ببعض ألفاظه هنالك مثل: تتطور، تترقى، تنمو، الخ فإن منهجه في سائر الكتاب شاهد جلي على غير ما توهم به هذه الألفاظ لأول وهلة.
[3] Gould, Stephen J. (1996) The Shape of Life. Art Journal, Vol. 55, No. 1, Contemporary Art and the Genetic Code, (Spring), p. 44, Published by: College Art Association
¥