وأما مثل الفريقين فمنتظر في هذه الأمة وسيقع ليصير الناس إلى فسطاطين فسطاط إيمان لا نفاق فيه هو مثل البصير والسميع وإلى فسطاط نفاق وكفر لا إيمان فيه هو مثل الأعمى والأصم ليهلك مثل الأعمى والأصم وينجو برحمة ربنا مثل السميع والبصير.
وتضمنت سورة الشعراء من ذكر الفريقين مثل ما تضمنت سورتا هود والأعراف، وهو ذكر من الرحمان كما في قوله ? وما يأتيهم من ذكر من الرحمن محدث إلا كانوا عنه معرضين فقد كذبوا فسيأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزئون ? الشعراء 5 ـ 6 أي سيهلك بالعذاب الموعود المعرض عن ذكر الرحمان كما أهلك به الأولون وفصلته سورة الشعراء تفصيلا وحذرت من مثله في قوله ? كذلك سلكناه في قلوب المجرمين لا يؤمنون به حتى يروا العذاب الأليم فيأتيهم بغتة وهم لا يشعرون فيقولوا هل نحن منظرون أفبعذابنا يستعجلون أفرأيت إن متعناهم سنين ثم جاءهم ما كانوا يوعدون ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون وما أهلكنا من قرية إلا لها منذرون ذكرى وما كنا ظالمين ? الشعراء 200 ـ 209 ويعني أن ذكرى أي سيتذكر مثله في القرى القائمة قبل إهلاكها.
إن قوله:
• ? وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أشد منهم بطشا فنقبوا في البلاد هل من محيص إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد ? سورة ق 26 ـ 27
• ? وما أهلكنا من قرية إلا لها منذرون ذكرى وما كنا ظالمين ? الشعراء 208 ـ 209
ليعني أن إهلاك المكذبين بعد نزول القرآن قد وعد به الله في القرآن وسيتذكّره من كان له قلب وألقى السمع إلى القرآن وهو شهيد أي حاضر بعقله وفكره وتدبره وهم الذين سينجون من ذلك العذاب الموعود.
إن قوله:
• ? مثل الفريقين كالأعمى والأصم والبصير والسميع هل يستويان مثلا أفلا تذكرون ? هود 24
• ? وما يستوي الأعمى والبصير والذين آمنوا وعملوا الصالحات ولا المسيء قليلا ما تتذكرون ? غافر 58
• ? ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون ? إبراهيم 25
ليعني أن الذين هداهم الله هم الذين يستمعون القول فيتذكرون ويتبعون أحسن ما أنزل إليهم من ربهم وهو مثل البصير والسميع الذين آمنوا وعملوا الصالحات ويعرضون عن مثل الأعمى والأصم وهو المسيء فتأمل دلالة قوله ? فبشر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب ? الزمر 17 ـ 18
بيان سورة القدر
? إنا أنزلناه ?
إن قوله ? إنا أنزلناه ? بإسناد الفعل إلى رب العالمين كما بينت في دلالة الاسمين الله رب العالمين ليعني أن المنزل خارق معجز لا يقدر عليه غير رب العالمين، وكذلك المنزل في قوله ? إن كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان ? الأنفال 41 ويعني أن الذي أنزل على النبي? وأصحابه يوم بدر هو النصر والملائكة والفرقان الخارق المعجز كما في رميه بيده الحصى فأصابت وجوه العدو يوم بدر، وليس المنزل في حرف الأنفال هو القرآن إذ لم تنزل سورة الأنفال إلا بعد رجوعهم إلى المدينة وأخذهم الفداء من الأسرى.
وكما أنزل النصر أنزل العذاب في القرآن كما في قوله ? فأنزلنا على الذين ظلموا رجزا من السماء بما كانوا يفسقون ? البقرة 59 وقوله ? إنا منزلون على أهل هذه القرية رجزا من السماء بما كانوا يفسقون ? العنكبوت 34 وقوله ? أفبعذابنا يستعجلون فإذا نزل بساحتهم فساء صباح المنذرين ? الصافات 176 ـ 177 وقوله ? وقل إني أنا النذير المبين كما أنزلنا على المقتسمين الذين جعلوا القرآن عضين ? الحجر 89 ـ 91 ولا يخفى أن الذي أنزل على ظالمي بني إسرائيل يومئذ هو الرجز الذي عذبوا به، وأن المنزل على قوم لوط هو الحاصب الذي أمطروا به، وحرف الصافات صريح في أن الموعود إنزاله هو العذاب ويعني فإذا نزل العذاب بساحة المجرمين فسيسوء صباحهم، ولا يخفى أن المقتسمين الذين جعلوا القرآن عضين هم الذين يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض، والنبي الأمي ?هو النذير المبين الذي أنذرهم ما أنزل في شأنهم من العذاب الموعود الذي سينزل عليهم كما في قوله ? أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب ? البقرة 85 ويعني أنهم موعودون في الدنيا بعذاب شديد ينزل عليهم فيهلكهم وموعودون في يوم القيامة أن يردوا إلى أشد العذاب مما يعني
¥