تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وكان من أبرز العلماء الذين عرفوا بهذا الاتجاه: الإمام أبو حامد الغزالي رحمه الله (505هـ)، وذلك في كتابيه إحياء علوم الدين، وجواهر القرآن.

وتبعه القاضي أبو بكر بن العربي رحمه الله (543هـ) في كتابه قانون التأويل، بل إن القاضي رحمه الله – مع معرفتنا بمعارضته للغزالي في قضايا علمية متعددة – فإنه يقول ما قاله الغزالي في عدد العلوم في القرآن دون اعتراض، فقد ذكر في قانون التأويل مقرراً أن "علوم القرآن خمسون علماً وأربع مئة علم، وسبعة آلاف وسبعون ألف علم على عدد كلم القرآن مضروبة في أربعة، إذ لكل منها ظاهر وباطن وحد ومطلع، هذا مطلق دون اعتبار تركيبه، و [نضم] بعضها إلى بعض وما بينها من روابط على الاستيفاء في ذلك كله، وهذا مما لا يحصى ولا يعلمه إلا الله تعالى" (13) ا. هـ. ويقول الإمام ابن العربي في موطن آخر: (وإنما عني العلماء بقولهم إن العلوم كلها في كتاب الله ما كان علماً لذاته، لا ما وقعت الدعوى فيه أنه علم وهو جهل، وذلك يرجع إلى العلوم الشرعية والحقائق العقلية، فإن جميعها مضمَّن في كتاب الله، والدليل عليه مبيَّن، وكل جهالة أو سخافة ادعتها طائفة فالرد عليها في كتاب الله موجود أيضاً مبيَّن) (14).

ثم طبق الفخر الرازي رحمه الله (606هـ) ذلك في تفسيره الكبير مفاتيح الغيب، وكان شأنه شأن كل مفسر مجتهد، فأصاب وأخطأ.

وإلى هذا القول – أي أن جميع العلوم في القرآن – ذهب الزركشي في البرهان وذكر أن "العلوم كلها داخلة في أفعال الله وصفاته وفي القرآن شرح ذاته وصفاته وأفعاله" (15)، وأكثر من النقول عن السلف الصالح وعن العلماء من بعدهم في هذه القضية، ثم أفرد فصلاً في برهانه ليقول: (وفي القرآن علم الأولين والآخرين وما من شيء إلا ويمكن استخراجه منه لمن فهمه الله تعالى) (16).

وكذلك فعل السيوطي في الإتقان عندما عقد (النوع الخامس والستون في العلوم المستنبطة من القرآن) (17)، صدره بقوله تعالى: ?مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ? [الأنعام:38]، فقال: (وأنا أقول: قد اشتمل كتاب الله العزيز على كل شيء، أما أنواع العلوم فليس منها باب ولا مسألة هي أصل؛ إلا وفي القرآن ما يدل عليها، وفيه عجائب المخلوقات وملكوت السموات والأرض، ومافي الأفق الأعلى وتحت الثرى وبدء الخلق و .. و .. الخ) (18). وأكد دعواه هذه في كتابه الإكليل في استنباط التنزيل.

وممن طبق منهج استنباط العلوم والاستدلال على صحتها أوإبطالها باجتهاده على ضوء العلوم والمعارف في عصره من المفسرين: العلامة محمود الآلوسي (1270هـ) في تفسيره روح المعاني، ثم حفيده العلامة السيد محمود شكري الآلوسي (1341هـ) في كتابه: (ما دل عليه القرآن مما يعضد الهيئةَ الجديدةَ القويمةَ البرهانِ) (19)، عرض الآلوسي الحفيد في كتابه هذا ما تقول به الهيئة الجديدة –هيئة الأفلاك- على ما قاله فيثاغوس، إذ انتشرت في عصره، يقول الآلوسي: (فقد رأيت كثيراً من قواعدها لا يعارض النصوص الواردة في الكتاب والسنة، على أنها لو خالفت شيئاً من ذلك لم يلتفت إليها، ولم تؤول النصوص لأجلها، والتأويل فيهما ليس من مذاهب السلف الحرية بالقبول، بل لا بد أن نقول: إن المخالف لهما مشتمل على خلل فيه، فإن العقل الصريح لا يخالف النقل الصحيح، بل كل منهما يصدق الآخر ويؤيده، واعلم أن الشريعة الغراء لم ترد باستيعاب قواعد العلوم الرياضية، إنما وردت بما يستوجب سعادة المكلفين في العاجل والآجل، وبيان ما يتوصلون به إلى الفوز بالنعيم المقيم، وربما أشارت –لهذه الأغراض- إلى ما يستنبط منه بعض القواعد الرياضية، .. ) (20).

وأما معارضة الإمام الشاطبي رحمه الله قديماً فقد كانت فردية، ولظروف عصرية، ولم تلق أدلته صدى لدى العلماء، إلا في العصر الحديث عندما ظهر الانحراف في التفسير العلمي (21).

المطلب الرابع: ملامح الانحراف في اتجاه التفسير العلمي والإعجاز العلمي:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير