تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

قوله: "القرآن كلُّه كالسورة الواحدة، ولهذا يذكر الشيء في سورة وجوابه في سورة أخرى، نحو ?وقالوا يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون? (الحجر:6) وجوابه: ?ما أنت بنعمة ربك بمجنون?. (القلم:2)." وتتحقق الوحدة الفعلية للخطاب بالنسبة للمتلقي، على نحو يكفل له تخطي سلبيات التجزئة، من خلال"العلم بخصائص أسلوب القرآن، فإن كل ذي كلام له في كلامه أساليب تخصه،" لابد من مراعاتها والاهتداء بها عند التفسير، وإلا كان المعنى المتوصل إليه بعيدا عن مراد المتكلم.

وبناء على المعرفة الدقيقة بالأسلوب القرآني، يتمكن المتلقي من فهم الخطاب الإلهي، من خلال التوسل بمدخلين اثنين، أشار إليهما الفراهي في التكميل، وهما، وإن كانا متعلقين أساساً بالتعارض بين النصوص أو بين تفاسيرها، فإنهما صالحان أيضا للنظر في النصوص والتفاسير، التي لا تعارض (آني) بينها، خاصة وأن التعارض أمر مفتوح تتسع، دائرته أو تضيق بحسب أحوال المتلقي، ومستوى تفهمه الفعلي. ومن هذا المنظور، فإن الدراية بالأسلوب، تمهد لاعتماد مدخل الموافقة بين الآيات عند التفسير، وذلك برد بعضها إلى البعض الآخر، مما يسهم في حل إشكال التعارض الظاهري بين النصوص، وتكثير سبل التحقق من الدلالة. وتمكن تلك الدراية أيضاً من حل إشكال التعارض الظاهري والحقيقي بين التفاسير، ومعرفة أقربها إلى مقصود المتكلم، باعتماد مدخل آخر، وهو معاملة نتائج الأعمال التفسيرية التي هذه حالها – ويلحق بها غيرها مما ليس هذا شأنه - على أنها من قبيل المشترك، وفي ذلك يقول الفراهي عند حديثه عن الأصول التي تهدي إلى معنى واحد: "إذا كثرت وجوه التأويل في آية، كان الأمر كاشتراك اللفظ موقع استعماله. فهكذا عند اشتراك الوجود في آية، لا سبيل إلا بالنظر إلى موقع الآية."

* تفسير القرآن بالقرآن:

يثير "تفسير القرآن بالقرآن" إشكالات، يقتضي فكها تحديد ماهيته، ببيان الجهة المسؤولة عنه، وتعيين المقدار الذي يدخل في مسماه، والنظر في مدى حجيته.

من يفسر القرآن في تفسير القرآن بالقرآن؟ يتبادر إلى الذهن عند إطلاق عبارة "تفسير القرآن بالقرآن" أن القرآن مفسر لنفسه بنفسه، وأن ليس للمفسر البشري دور، سوى جمع ما يراد تفسيره من نصوص بما يفسره منها، وكأن عملية التفسير عملية مغلقة، تنم عن وجود علاقات ثابتة محددة سلفا، ً لا دخل فيها للعنصر البشري بنسبيته ومتغيراته. إننا هنا أمام انغلاق للمتن، وانغلاق للعلاقات الدلالية في الوقت نفسه، غير أن لهذا التصور أسبابه المعرفية التي تدعمه، فمن دليل العقل، وجوب التماس تفسير القرآن منه أولاً؛ إذ لا يعلم مراد الله على الحقيقة والقطع إلا هو، وذلك نظراً لكون المتكلم أولى من يوضّح مراده بكلامه، فإذا تبيّن مراده به منه، فلا يُعدل عنه إلى غيره. ونظراً لأن التفسير رواية عن الله تعالى، و (ترجمة) لحكمه وحكمته، وشهادة عليه بما أراد من كلامه، فإذا لم يكن من كلامه دليل على ذلك المراد، فهو محض تَقَوُّل، والتقول محظور بنص قوله تعالى: ?قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والاثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون.? (الأعراف: 33) ومن دليل النقل آيات عديدة، لكن قصارى ما يستفاد من مجموع المنقول والمعقول، هو ضرورة العودة إلى القرآن لاستقاء التفسير، بمعنى أنها أدلة متجهة في المقام الأول إلى بيان المصدرية، لا تحديد الجهة العاملة على استثمارها وتوظيفها، والفرق دقيق بينهما.

ولقائل أن يقول إن هذا الحكم غير صالح للتعميم على سائر الأدلة؛ إذ يستثنى منها قوله تعالى: ?ثم إن علينا بيانه? (القيامة: 19)، والذي يظهر من خلاله، أن الله عز وجل لم يحدد المصدر التفسيري فحسب، وإنما حدد الجهة المفسرة أيضاً بأن أوكل إلى نفسه مهمة البيان. غير أن هذا الاعتراض لا يلبث أن يتلاشى، عند استحضار السياق النصي والتاريخي الذي وردت فيه هذه الآية. وممن اعتمد السياقين لاستخراج الدلالة عبد الله بن عباس رضي الله عنه، فعن موسى بن أبي عائشة عن سعيد ابن جبير عن عبد الله بن عباس في قوله: ?لا تحرك به لسانك لتعجل به? (القيامة: 16) قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه جبريل بالوحي وكان مما يحرك به لسانه وشفتيه فيشتد عليه، وكان يعرف منه،

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير