تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فأنزل الله الآية التي في ?لا أقسم بيوم القيامة? (القيامة: 1): ?لا تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه وقرآنه? (القيامة:17) قال: علينا أن نجمعه في صدرك وقرآنه، ?فإذا قرأناه فاتبع قرآنه? (القيامة:18) فإذا أنزلناه فاستمع، ?ثم إن علينا بيانه? (القيامة:19) علينا أن نبينه بلسانك، قال: فكان إذا أتاه جبريل أطرق فإذا ذهب قرأه كما وعده الله." ومنه يتضح أن الآيات تدل على مصاحبة العناية الإلهية للرسول صلى الله عليه وسلم في سائر مراحل تلقي القرآن الكريم وأدائه، من التنزيل إلى الجمع في الصدر، فالتلفظ والتبليغ، لتطمئنه بذلك، فلا يحتاج بعدُ إلى تحريك لسانه، استعجالا لتبليغه مخافة نسيانه.

ومن هذا المنطلق فلا تكون لقوله تعالى: ?ثم إن علينا بيانه? (القيامة:19) علاقة تذكر بالتفسير عموماً، ولا بتفسير القرآن بالقرآن على وجه الخصوص، إنْ تحديدا لمصدره، أو بياناً، لجهته، لأن غاية ما سيقت له، هو الدلالة على أن القرآن نص إلهي في قمة الحفظ، منذ أن تكلم الله به، إلى حين تكلم به رسوله. وبذلك يكون معنى قوله تعالى: ?ثم إن علينا بيانه? (القيامة: 19) أي علينا أن تبلغه وتتلفظ به تماماً، كما أنزلناه عليك، وجعلنا صدرك يعيه، فالمراد بالبيان هنا الأداء والتلفظ والقراءة، أما ?علينا? ففيها وعد من الله بحصول ذلك البيان. ويؤكد ذلك، الربطُ بين ترتيب الجمل داخل الآية، وترتيب وجود مدلولاتها في واقعي الغيب والشهادة؛ ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما حرك لسانه عجلة بالقرآن، أنبأه الله عز وجل بأنه قد تعهد بحفظه جمعاً وقراءة، ثم طلب منه الاستماع والإنصات إلى تلاوة جبريل بدقة وتركيز شديدين، عبرت عنهما الآية باتباع القراءة، وعقِب ذلك نصَّ على اتساع دائرة الحفظ، لتشمل ما لأجله تحرك اللسان عجلة بالقرآن، وهو هاجس التبليغ، فطمأنه بأنه قد تكفل بالبيان، أي بإبراز النص وإخراجه من عالم الغيب إلى عالم الشهادة من خلال تأمين تلفظ النبي به. وبذلك تكون غاية الآية هي تسليط الضوء على مطابقة الملفوظ للمحفوظ، وهو ما فطن إليه ابن عباس رضي الله عنه فربط بينها وبين مآلها ومصداقها الخارجي فقال: "فكان إذا أتاه جبريل أطرق فإذا ذهب قرأه كما وعده الله."

ثم إن دلالة البيان على التفسير في هذا المقام أمر مستبعد لسببين؛ أحدهما انعدام المناسبة بينه وبين القضية التي جاءت الآية لعلاجها كما تبين قبل، والثاني أن صرفه إلى ذلك المعنى، يفضي إلى التلويح بانخرام واحدة من أهم حلقات التلقي وانفراطها عن عقد الحفظ، ومن ثم التشكيك في صحة النقل النبوي للنص القرآني، واحتمال تطرق النسبية البشرية إليه، هذا في حين لا يعقل أن يتم النص على حفظ التفسير وتعهد الله به، دون أن يكون سياق الآية محله، ويُسكت عن بيان حظ الأداء والتبليغ من الحفظ في موضع الحاجة إلى بيانه؟

ثم إن تحديد الجهة القائمة على تفسير القرآن بالقرآن، يستدعي استحضار ملحظ آخر، يفضي اعتباره إلى معالجة المسألة من زاوية مختلفة للنظر، فيما إذا كان المفسر في هذا النوع من التفسير، هو المفسر البشري، أو النص القرآني الناطق عن القصد الإلهي. ويتمثل هذا الملحظ في خصوصية القرآن الكريم، وفي أنه كما قال علي كرم الله وجهه: "خط مسطور لا ينطق وإنما يتكلم به الرجال." ومعلوم أن ما كان هذا شأنه، فلا سبيل إلى استنطاقه، أو الجزم بأن كذا هو عين مراده، لأن ذلك يتضمن نطق المتكلم، ببيان كلامه بعد التكلم به، وهو أمر لم يقع بالنسبة للقرآن الكريم؛ إذ القرآن "كلام متكلم لم يصل الناس إلى مراده بالسماع منه، ولا إمكان للوصول إليه، بخلاف الأمثال والأشعار، فإن الإنسان يمكن علمه بمراد المتكلم بأن يسمع منه أو يسمع ممن سمع منه. أما القرآن فتفسيره على وجه القطع لا يعلم، إلا بأن يسمع من الرسول عليه السلام، وذلك متعذر إلا في آيات قلائل." يتبين إذن أن الوصول إلى قصد الله بالسماع منه. أمر متعذر، لأن الله عز وجل غير مدرَك حسياً ولا ظاهر ماديا، ولأن وساطة الرسول صلى الله عليه وسلم قد انتهت بوفاته. واستنادا إلى هذا الواقع، يصعب أن ينسب المعنى المتوصل إليه عبر تفسير القرآن بالقرآن إلى القرآن أو إلى الله عز وجل، خاصة إذا كان ذلك التفسير، مفتقراً إلى الوساطة النبوية التي فُوض إليها وحدها نقل كلام الله.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير