تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ومن هنا نخلص إلى أن تفسير القرآن بالقرآن، عمل يقوم به المفسر البشري، يعتمد فيه القرآنَ مصدراً لاستقاء المادة التفسيرية، وهو ما تدل عليه المقاربة اللغوية للفظة "تفسير القرآن بالقرآن"، من خلال المحددين التاليين:

- المحدد الأول: وهو دلالة التغيير الذي تدخله الصيغة الصرفية على بنية الجملة، على اعتبار أن التصريف يجعل الكلمة على صيغ مختلفة لضروب من المعاني. ويتعلق الأمر هنا بالفعل "فسَّر"، لأنه الأصل الذي اشتقت منه كلمة "تفسير". وقد صيغ هذا الفعل على وزن فعَّل، الذي يفيد أغراضاً كثيرة، يهمنا منها هنا دلالته على التعدية، وفي ذلك يقول صاحب المفصل: "فعَّل يواخي أفعل في التعدية نحو: فرّحته وغرّمته ومنه خطأته وفسّقته ( ... ) وفي السلب نحو فزّعته وقذّيت عينه وجلّدت البعير وقرّدته أي أزلت الفزع والقذى والقراد"، وعن أفعل يقول هي "للتعدية في الأكثر"، فدل ذلك على أن فعَّل تحمل أيضا معنى التعدية في الأكثر. وكون فسَّر فعلاً متعدياً، يقتضي وجود فاعل ومفعول به معمولين له يسهم تحديدهما في تعيين الجهة المسؤولة عن التفسير. وبالنظر إلى الإمكانات التي يتيحها التركيب، نجد أنفسنا مبدئيا أمام احتمالين اثنين؛ أحدهما أن يكون أصل الجملة "فسّر القرآنُ القرآنَ"، والثاني أن يكون أصلها "فسر المفسرُ القرآنَ بالقرآن" بتقدير فاعل غير بارز في السياق هو "المفسِّر". ويقتضي الترجيح بين هذين الأصلين المفترضين استجلاب معطيات إضافية، وهو ما يكفله المحدد الثاني.

- المحدد الثاني: دلالة حروف المعاني؛ إذ بحسب الحرف الذي وُظف يترجح أحد الاحتمالين. ولما كان حرف الباء هو المستعمل في هذا التركيب "تفسير القرآن بالقرآن"، تبين أن تقدير "المفسِّر" فاعلاً مضمراً أصح وأولى بالاعتبار؛ إذ لو كان القرآن هو الفاعل، للزم أن نقول "تفسير القرآن للقرآن" بدلاً من تفسير القرآن بالقرآن. ومن هذا المنطلق يكون أصل الجملة هو "فسّر المفسّر القرآنَ بالقرآن"، وهذا يدل على وجود علاقة عاملية بين الفعل، ومصحوب حرف الباء، أي القرآن. وبوجود هذه العلاقة، تؤدي الباء معنى الاستعانة نحو (كتبت بالقلم)، فيكون المفسر هو المسؤول عن عملية التفسير، ويكون القرآن مصدراً مستعاناً به، لاستمداد ذلك التفسير.

تفسير القرآن بالقرآن بين المطابقة والتوسع: أول ما يلفت الانتباه، بعد تبين المراد بتفسير القرآن بالقرآن ومصدرِه والجهةِ المسؤولة عنه، أسئلة تبحث في مقدار التفسير الذي يدخل في هذا المسمى كالآتي: هل كل ما قيل إنه تفسير للقرآن بالقرآن، يراد به وقوع البيان عن شيء في الآية بآية أخرى، أم أن المصطلح أوسع من ذلك، بحيث يضم كل أشكال الربط بين الآيات؟ وما معيار التفريق بين ما هو من تفسير القرآن بالقرآن وما ليس كذلك؟ وما أسباب الاختلاف في تحديد ذلك المعيار بين موسع ومضيق؟

إن الربط بين الآيات لا يُعدّ كله من تفسير القرآن بالقرآن بالمعنى المطابق، خاصة إذا لم يتحقق فيه معنى البيان عن شيء في الآية بآية أخرى تجليه، ولم يتوافر في الآية المفسَّرة شرط حصول الإشكال وفي الآية المفسِّرة شرط رفع الإشكال. ففي هذه الحالة يكون الربط محض توسع في ما يمكن أن يشمل تفسير القرآن بالقرآن، وهو توسع تندرج ضمنه كل استفادة من آيات القرآن؛ كالاستشهاد أو الاستدلال بها مثلا. وعلى هذا الأساس يمكن القول إن العلاقة التي تربط الآيات فيما بينها، علاقة متفاوتة بتفاوت حاجة الآيات المفسَّرة إلى البيان، فمنها ما لا يمكن الوقوف على المراد منه، إلا بعد ربطه بآيات أخرى تجليه، وفي هذه الحالة يرتبط الجميع بعلاقة تفسيرية وطيدة ومباشرة، بحيث لا يمكن فهم بعض النصوص بمعزل عن بعضها الآخر، أي دون الكشف عن هذه العلاقة. ومنها ما يمكن فهمه دون رده إلى غيره، وفي هذه الحالة لا يكون في الآية غامض يحتاج إلى إيضاح، ويكون استحضار المفسّر للآيات الأخرى، من قبيل إيراد ما له علاقة بالموضوع نفسه، مما يعد توسعاً في التفسير.

والخلاف حول إدراج التوسع في الربط بين الآيات، ضمن تفسير القرآن بالقرآن، مبني على الاختلاف في مفهوم التفسير، هل يختص بالإيضاح الذي يسبقه إشكال، أم يشمل كل إيضاح سواء تقدمه إشكال أم لا؟

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير