تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

- الإشارة الثانية: أن التفسير أيضاً، استنباط معان باعتماد دلالة الالتزام، فهو لا يقتصر على استخراج معاني الآيات فقط، وإنما يمتد إلى استخلاص لازم معانيها أيضاً، على اعتبار أن دلالة الالتزام، هي دلالة الكلام على معنى لازمٍ للمعنى الذي سيق الكلام لإفادته. والبحث عن لازم المعنى، يعدّ من التوسع في التفسير.

- الإشارة الثالثة: أن التفسير بيان للمعاني ولوازمها باختصار أو توسع. ومع أن التوسع ورد هنا في مقابل الاختصار، فدلّ، من ثَمَّ على الإسهاب، إلا أنه يدل أيضا على ما نحن بصدده؛ لأن التوسع، أياً كانت صورته، فهو مظنة الخروج عن حد المطابقة.

ويظهر من مقارنة الاتجاهين أن الاتجاه الثاني، القائل بالتوسع أولى بالاعتبار، خاصة أن هناك عوائق معرفية تمنع من ترجيح سابقه؛ ومنها أن واقع الأعمال التفسيرية، يحول دون حصر التفسير في الإيضاح الذي يسبقه خفاء، فهو واقعٌ يقضي بنسبية الخفاء في حد ذاته، وبالارتفاع المستمر لنسبة النصوص التي تستعصي على فهم المتلقي. ويتحكم في ذلك تفاوت مَلَكات المتلقين اللغوية، ومدى معرفتهم بمعهود القرآن في استعمال الألفاظ. وتنتج عن هذا الواقع حركة دائبة للحدود الفاصلة، بين ما يحتاج إلى تفسير، وما هو في غِنىً عنه. وبموجب هذه الحركة تصير رقعة التفسير أكثر امتداداً، مما كانت عليه قبل حدوث الخفاء، ويؤول التفسير إلى التوسع على حساب المطابقة. ومن ذلك أيضا أن تضييق دائرة التفسير يتعارض مع قصد الإفهام. وفَهْمٍ يحظى بالدقة، ويرقى إلى مستوى الفقه، وينسجم مع قصد الله تعالى، لابد أن يستند إلى معرفة تحليلية تتناول القرآن كله، وهي معرفة يتيحها التوسع في التفسير، ولا يسعف فيها تضييق دائرته. وبهذا الموجب، فالتوسع أقرب إلى قصد الإفهام، لأنه مظنة تحقيق فهم المتلقين لكلام الله برمته، رغم تعددهم واختلاف مشاربهم وتفاوت سقوفهم المعرفية.

تفسير القرآن بالقرآن بين التوقيف والاجتهاد: يستمد كل تفسير حجيته من معطيين اثنين؛ من المصدر المستقى منه والجهة المسؤولة عنه. فكلما كان المصدر موثوقاً به، وكانت الجهة (أي المفسِّر) تتمتع بقدر كبير من العلم، وحظ وافر من التجرد والموضوعية، كان التفسير أحرى بالقبول.

علاقة المصدر بالحجية: يجدر التنبيه بداية إلى أن القرآن هو المصدر الذي يستمد منه تفسير القرآن بالقرآن، لأن التقييد بعبارة "بالقرآن" في هذا المقام، جاء للدلالة على أن المقصود هو التفسير، الذي يكون استمداده محصوراً في كتاب الله تعالى وحده، وبذلك تُستثنى بقية المصادر الأخرى، لأنها غير مقصودة بهذه الدراسة. والمراد بالمصادر تحديداً؛ تلك المراجع الأولية التي يرجع إليها المفسر عند تفسيره لكتاب الله، كالقرآن والسنة وغيرهما. ويعد القرآن حجة في التفسير، لأنه أقوى المصادر التفسيرية على الإطلاق، وهي قوة يكتسبها من جهتي النقل والنظم. فباعتبار الجهة الأولى، تنبع قوته من قوة سنده وصحة نقله عن المتكلم به، فهو نص قطعي الثبوت، تكفل الله تعالى بحفظه، واعتنت به الأمة الإسلامية عناية فائقة، فحفظته حفظ صَدْرٍ وسطر، مستشعرة أنه النص المقدس الذي يضمن ببقائه بقاء الشريعة والأمة ويحفظ وجودها واستمرارها. وباعتبار الجهة الثانية، تنبع قوته المصدرية من وحدة النظم واتحاد النسق، وبذلك ينتمي كل من المفسَّر والمفسَّر به إلى لغة واحدة هي لغة الوحي، ويتحقق انسجامهما الدلالي. ومبدئيا تساعد المقابلة بين النصوص المنتمية إلى اللغة نفسها، على الاقتراب من معهود استعمال المتكلم لعناصر الخطاب، والإقنتاع بصحة التفسير المتوصل إليه.

علاقة المفسر بالحجية: يتم الوصول إلى التفسير من أحد طريقين، طريق النقل أو طريق الاستدلال، وقد اصطلح على تسمية الأول تفسيراً بالمأثور، وتسمية الثاني تفسيراً بالرأي. وتصنيف "تفسير القرآن بالقرآن" ضمن أحدهما، يكون بالنظر إلى القائل بهذا التفسير أولاً، وكيفية توصله إليه، لا بالنظر إلى طريقة وصوله إلى من بعد القائل، التي هي طريق الأثر بطبيعة الحال. ومن هذا المنطلق يُنسب تفسير القرآن بالقرآن، إلى من فسّر به أول الأمر، لأنه هو الذي عمل على الربط بين الآيات، فجعل بعضها تفسيرا لبعضها الآخر، وفي ذلك دلالة واضحة على أن طريق الوصول إلى هذا النوع من التفسير هو الاستنباط. ولما كان الأمر كذلك،

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير