تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

تبين أن حجية القرآن الكريم، لا تستلزم دائما حجية التفسير المعتمد عليه، ذلك أن الحسم في هذه المسألة يقتضي استحضار دور المفسِّر، ومدى تدخله في الربط بين الآيات؛ إذ بحسب مقامه في العلم، ونزاهته في الفهم، يكون حال تفسيره قبولاً وإلزاماً أو رداً وإهمالاً. وتبنى على هذه المسألة قضيتان:

القضية الأولى: لا يلزم قبول كل قول، يرى أن آية ما تفسر آية أخرى، نظراً لما قد يعتريه من خطأ في الربط بين الآيات. وذلك لأن تفسير القرآن بالقرآن يدل على جهد ذاتي، والمفسِّر حين يردّ آية إلى آية، أو لفظة في آية إلى لفظة في آية أخرى، فهو يقوم بعملية ذهنية ذاتية واضحة، تتطلب قبل كل شيء، تتبعاً لنصوص القرآن في الذهن، كما تتطلب مهارة وفهما، أي أن عملية التفسير بالقرآن عملية مقارنة، يقوم الممارس لها من المفسرين بدور المقارن، حتى يفضي به ذلك إلى تحديد المعنى. وبالنظر إلى طبيعة هذه العملية، فإن المفسِّر قد يقع في بعض المنزلقات المنهجية، سواء على مستوى تتبع النصوص القرآنية، أو على مستوى فهمها، أو على مستوى المقارنة بينها لتحديد المعنى. ومن جهة أخرى، فإن المفسر قد يتأثر بقبلياته المعرفية؛ إذ يبدو في الظاهر، أن المعنى الموضوعي قد انتقل من النصوص – المفسَّرة والمفسِّرة - إلى الذهن، في حين أن المعنى الذاتي، هو الذي انتقل من الشعور إلى النصوص، فتم إسقاطه عليها دون أن يفطن المفسِّر إلى ذلك. ومن هذا المنظور، لا ينبغي إغفال دور الافتراضات والمعلومات القبلية، لأن الحكم على التفسير يُعدّ عملاً عقيماً من دون الحكم على مقدماته.

القضية الثانية: من اللازم ملاحظة المكانة العلمية التي يحظى بها المفسِّر نظراً لدورها في تحديد الحجية؛ فإذا جاء التفسير بالقرآن عن مفسر معتمد، فهو دليل علو مكانة ذلك التفسير. وعليه فورُود تفسير القرآن بالقرآن عن النبي عليه السلام أبلغ، لأن ما صح مما ورد عنه، ملزم ومَحَلّهُ القبول، وقبوله لم يكن لأنه تفسير قرآن بقرآن فحسب، بل لأن المفسر هو النبي بوصفه أعلم عباد الله بكتاب الله على الإطلاق. وبارتباط مع هذا الملحظ، وجب تقديم التفسير الثابت عنه على الثابت عن غيره، "فإن ما كان من التفسير ثابتاً عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان المصير إليه متعيناً، وتقديمه متحتماً ( ... ) فهو واجب التقديم له، متحتم الأخذ به." واستنادا إلى هذا المعطى عدّ الزركشي النقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أول أمهات مآخذ التفسير، ويدخل في هذه الأفضلية، تفسير القرآن بالقرآن الثابت عنه عليه السلام. أما تفسير القرآن بالقرآن الصادر عمن دونه، فهو اجتهاد من صاحبه، قابل للصواب والخطأ بحسب التزامه المنهجي. فكلما استطاع المفسر أن ينفض عن ذهنه أي تصور قبلي، ويدخل إلى عالم القرآن، بغير مقررات تصورية عقلية أو شعورية سابقة، ويلتزم المنهج النبوي في الربط بين الآيات ما أمكن، حظي عمله بالقبول. وإذا كان تفسير القرآن بالقرآن رأياً واجتهاداً من غير أصل فحسب، فهو محض تلفيق بين النصوص، مرفوض بنص القرآن نفسه، وذلك في قوله تعالى: ?قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون? (الأعراف، 33) وقد جمعه الله تعالى بالفواحش والإثم والبغي والشرك في مقام واحد، وهو أبلغ في الدلالة على حرمته. ويدخل في هذا النطاق التفاسير التي وجهتها الأهواء، فصار معها جهد المفسر تبريرياً يُتخذ فيه القرآن سنداً لرأي قد اعتُقد سلفاً، دون اهتمام بالسياق العام للنص.

ثانياً: منهج تفسير القرآن بالقرآن:

إن القدر المجزوم بصحته من تفسير القرآن بالقرآن خصوصا، ومن التفسير على وجه العموم، هو الصادر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أما ما عداه، فتعددت مواقف الدارسين منه، بين مانع ومجيز ومتوسط بينهما. فالمانع حرص على مصداقية التفسير، فحصر المقبول منه في المنقول عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمجيز يمم وجهه صوب تعميم الفهم، وجعل إدراك مراد كلام الله حقاً مشروعا لسائر متلقيه. أما المتوسط ففطن إلى ضرورة ضبط التعامل مع النص، ونصَّ على مجموعة من الشروط والأدوات، ونصبها معايير للقبول والرد، واحتكم إليها لحسم الخلاف. والتفسير المعتبر هو الذي تتوافر فيه

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير