تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

سائر هذه المقومات، فهو الذي يلتزم بضوابط تضمن عدم خروجه عن المعاني التي يقبلها النص، وهو الذي يوافق مراد الله عز وجل ما أمكن، كما أنه ذاك الذي ييسر للمتلقين، أمر التعامل مع القرآن الكريم، ويمكنهم من استيعابه تمهيداً للاهتداء به.

ولكي يرقى المفسر بعمله إلى هذا المستوى، لابد له من الاعتماد على المنهج، بصفته إطاراً يضمن اضطلاع التفسير بهذه الوظائف. ولا يخرج تفسير القرآن بالقرآن عن هذه القاعدة؛ إذ يحتاج فهم القرآن من خلال القرآن نفسه إلى المنهج الذي يرقى إلى مقام تحليل الخطاب الإلهي، ويمكن من معرفة الطريقة التي تتوزع بها الألفاظ، ويساعد على إدراك العلاقات التي تربط بينها في إطار النظم القرآني، ويُبِين عن مدى تأثيرها في حركة الخطاب، ويكشف عن وجه دلالتها على القصد الإلهي. ويقتضي الحديث عن منهج تفسير القرآن بالقرآن اعتمادَ مدخلين؛ أحدهما معرفي، يتناول التعريف بهذا المنهج وبأهميته، والثاني إجرائي، يعرفنا على الأصول النظرية للأدوات الإجرائية التي يوظفها المنهج وعلى طريقة اشتغالها.

1. المدخل المعرفي:

تعريف منهج تفسير القرآن بالقرآن:

اشتقت كلمة "منهج" من الجذر (ن. ه.ج). و"نهَج" أبان وأوضح، وأنهج وضح واستبان، والمنهج والمنهاج كالنهج في الدلالة على البيان والوضوح. والطريقة الناهجة أي الواضحة، ومنه قول العباس "لم يمت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ترككم على طريقة ناهجة". و"نهِج" نهجاً تواتر نفسه من شدة الحركة، وفي حديث عائشة "فأخذت بيدي حتى أوقفتني على باب الدار وإني لأنهج". ولم يرد في القرآن لفظ المنهج، وإنما ورد لفظ المنهاج بمعنى يوافقه في النتيجة، وذلك في قوله: ?لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا? (المائدة، 48) أي طريقة واضحة في الدين.

من هذا المنطلق يمكن القول إن الألفاظ المركبة من مادة (ن. هـ. ج)، كالنهج والمنهج والمنهاج والمنهجية والمنهاجية، ترد في اللغة بمعنى واحد، وتشترك في الإشارة إلى الطريق المستقيم الواضح، الموصل إلى الغاية بسهولة ويسر، وهي صفات تضفي على المنهج طابع الدقة والوثوق. وتتضمن هذه الألفاظ أيضاً معنى الإسراع في السير في الطريق لوضوحه، أو في إنجاز العمل لوضوح طريقته. وقد حضرت هذه المعاني، أو بعضها، في التعريفات الاصطلاحية المتداولة عن المنهج، ومن ذلك أنه: "طريقة يصل بها إنسان إلى حقيقة"، وأنه "إجراء يُستخدم في بلوغ غاية محدّدة"، وأنه "الترتيب الصائب للعمليات العقلية التي نقوم بها بصدد الكشف عن الحقيقة، والبرهنة عليها."

وبذلك يكون المنهج "طرقة التفكير والإجراءات التي يتبعها الباحث، بهدف الكشف عن الحقيقة في مجال معرفي معين، والتي تحكم سير العقل وتحدد عملياته حتى يصل بيسر ووضوح إلى نتيجة معينة." ومن هذا التعريف يتبين لنا:

- أن المنهج هو الطريق الموصل إلى المقصد، ومصدر الوعي الحقيقي بالموضوع المدروس. ويستتبع العلم به معرفة الطريق، وكيف أفضت إلى النتيجة المتوصل إليها، فهدفه ليس الوصول فحسب، بل تأمين الوصول أيضا. ولما كان الوصول إلى الشيء يتم عند نهاية طريقه، كان اتباع المنهج ضرورياً في كافة مراحل البحث، ومن دونه يظل الطريق مفتوحا على آلاف الافتراضات.

- أن المنهج لا يرتكز على الميل والذوق الشخصيين، ولا يحيل على البديهيات والمسلمات التي تلتقي عندها العقول والطبائع، لأن ما كان هذا شأنه، لا يصلح أن يصف طريقة تفكير الفئات المختلفة من الناس، وطريقة فهمهم لمصادر المعرفة وتعاملهم معها، من أجل استنباط الأحكام أو تحديد قواعد السلوك، كما أنه لا يكفل نتيجة علمية دقيقة وموضوعية.

- أن المنهج وسيلة للإثبات والاستدلال على المعرفة، مما يجعله مقياسا يتيح للباحثين عملية التقييم والمعالجة. وبه تحاكم الأعمال العلمية ونتائجها المعرفية، مما يكفل الاطلاع على الأهداف ووسائل تحقيقها، ومدى الانسجام أو المجافاة بينها، ومشروعية وصلاحية الوسائل المعتمدة للوصول إلى الأهداف المرجوة.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير