تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ولكل حقل معرفي منهجه الذي تحدده طبيعة المادة المدروسة، ولكل فرع علمي منهجه الأخص الذي تحدده خصوصية موضوعه، فللتفسير منهج يميزه عن سائر العلوم ولتفسير القرآن بالقرآن، منهج يستقل به عن باقي أنواع التفسير. وباستصحاب التعريف العام للمنهج إلى مجال التفسير، يمكن القول إن منهج التفسير هو الطريقة التي يتعامل بها المفسر مع القرآن، والإجراءات التي يتبعها، ليكشف عن معاني آياته، ويتمكنَ من الوصول إلى مراد الله من كلامه. فالمنهج إذن هو الذي يضبط مسيرة التفسير ويوجهها، ويحدد مدى صلاحيته للتعبير عن لغة القرآن، وترجمة أهدافه ومقاصده. فالتفسير بطبيعته، عمل قابل للتنوع والاختلاف. وتقديم تفسيرات متعددة لآية واحدة، أمر ممكن عقلاً وموجود فعلاً، خاصة إذا علمنا أن التحولات التي يعرفها هذا المجال، تخضع لتجدد متلقيي القرآن الكريم، وتغير أحوالهم، وسعة أو ضيق معارفهم، وتنوع احتياجاتهم؛ فكل يتجه إلى كتاب الله، وفي جعبته آلاف الأسئلة التي ينتظر إجابة عنها، وكلٌّ يتوصل إلى نتائج بحسب المؤهلات التي تخول له ذلك. وحيال هذا الوضع، الذي يفرض تعدد الأجوبة بتعدد المستفسرين، تثار أحياناً مجموعة من الأسئلة من قبيل: هل يمكن التوفيق بين التفسيرات المتعددة؟ وإذا كان الأمر ممكناً فما الذي يسعنا استخدامه لتحقيق ذلك؟ وعلى أي أساس تختلف التفاسير؟ ثم كيف للمتلقين أن يفهموا النص؟ إن المنهج هو الذي يجيب عن هذه الأسئلة ويحل إشكالاتها، فهو الذي يقنن عملية التفسير، ويضفي عليها صبغة العلمية والإقناع، وهو الذي يمكن من وصل النتائج بأصولها ومنطلقاتها، وتبرير الصحيح منها والاستدلال عليه، وبيان الأسباب المؤدية إليه، ورد الفاسد منها بعد كشف عُواره، تمهيداً لتضييق دائرة الخلاف.

ولكل منهج تفسيري منطق يناسب مصدر استمداده، فللتفسير المعتمد على اللغة منهجه الذي يميزه عن التفسير المعتمد على الذوق، وهكذا دواليك. وإذا علمنا أن منهج تفسير القرآن بالقرآن، هو طريقة في التفسير تعتمد القرآن مصدراً وحيداً لاستمداد المادة المفسِّرة، أمكن تحديد خصوصياته في ما يلي:

- إن التعامل مع سائر مصادر التفسير يبدأ عبر النظر في مصداقيتها، ومناقشة حجيتها، وإذا كانت تلك المصادر نصوصاً، فلا بد من توثيق أسانيدها، وتحقيق متونها، ومعرفة أصحابها، وبيئاتهم، وثقافتهم، وتاريخ حياتهم. وذلك ما يعفينا منه القرآن، لكونه وحياً منزلاً من الله تعالى، ولأنه حظي بحفظ وتوثيق لم يمسسه بفضلهما أدنى تبديل أو تحريف.

- إن التفسير عمل يعترف بإشكالية التعامل مع نَسَق. ولحل هذه الإشكالية، يقترح منهج تفسير القرآن بالقرآن، التعامل مع النسق من داخله، لأنه يعدّ ذلك أنجع وسائل الحفاظ على وحدته، وأمثل سبل النطق عن مراده. غير أن هذا الاقتراح لا يستلزم الوقوع في الدور لسببين اثنين؛ أولهما؛ أن الرجوع إلى النص يستهدف الاستيضاح والفهم وتكوين تصور معمق، ولا يقصد إثبات النص وتصديقه والاستدلال عليه من داخله. والثاني؛ أن هناك فرقاً بين الدور والآصرة المتبادلة، فالقرآن نصٌّ يتكون من سور وآيات وجمل ومفردات، أي أنه نصٌّ كلي يضم نصوصاً جزئية متلاحمة يبين بعضها بعضاً. وعليه فإن تفسير القرآن بالقرآن، يعني تفسير بعض هذه النصوص ببعضها الآخر، ولا يعني مطلقا تفسير النص موضوع الدراسة من داخله، وبذلك تنتفي شبهة الدور عن هذا المنهج.

- إن قضية التفسير تتضمن استبدال النص المفسَّر بالنص المفسِّر أثناء الفهم، ومغزى هذا الاستبدال يحتاج إلى وقفة قصيرة. فالنصَّان ينتميان عادة إلى مستويين لغويين مختلفين، وهذا يعني أنهما غير متساويين، مما يحول دون توازن طرفي المعادلة التفسيرية. غير أن المسافة بين الطرفين تضيق أو تكاد تنعدم، إذا انتمى النصان إلى نفس المصدر، وتم الربط بينهما على نحو منهجي، بعيداً عن التعسف والاعتباطية، وهذا ما يكفله منهج تفسير القرآن بالقرآن.

- إن منهج تفسير القرآن بالقرآن يختص بمجموعة من الأدوات الإجرائية، التي يستقل بها عن غيره من مناهج التفسير، ومن ذلك اختصاصه - على سبيل المثال - باعتماد كلّ من الضابطين: السياقي، والموضوعي، في الجمع بين الآيات وبيان بعضها ببعض. وهذا ما سيتناوله بعد قليل بشيء من التفصيل.

أهمية منهج تفسير القرآن بالقرآن

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير