تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

من الضروري الحرص على استقامة المنهج في مجال البحث العلمي؛ "إذ العلم –كما هو معلوم- ليس هو القناطير المقنطرة من المعلومات، يتم تكديسها وخزنها في أدمغة بني آدم، وإنما هو صفة تقوم بالشخص، نتيجة منهج معين في التعلم والتعليم، تجعله قادراً على علم ما لم يعلم. والعالِم ليس هو الذي يحمل في رأسه خزئين ومكتبات، ولكنه الذي يعرف كيف يوظف ما في رأسه، وما هو في الخزائن والمكتبات، من أجل إضافة بعض الإضافات. حقاً إنه لا بد من الاستيعاب أولاً –وهو جزء من المنهج- ولكن المهم هو ما بعد ذلك من تحليل وتعليل وتركيب."

ولما كان كتاب الله هو الدليل الهادي الذي يصلح به حال الإنسان ومآله، وكان تفسير القرآن بالقرآن فرعاً علمياً، يتناول بالدراسة كتاب الله عز وجل، كان التزام المنهج فيه بالغ الأهمية، لأنه القادر على ترشيد الوعي بالنص. فالمفسر حين يحاول نقل المعنى كما يدركه، فإنه لا يوفق دائما في مطابقة ما قصده المتكلم، لأن الاقتراب أو الابتعاد عن ذلك القصد، تحدده نتيجة التفاعل بين عنصرين اثنين، الأول؛ هو المدركات القبلية المستقرة في ذهن المفسر، وتتمثل عادة في مجموع المبادئ والقيم والمسبقات المعرفية والكفاءة اللغوية، والثاني؛ هو الأدوات الإجرائية التي يستخدمها، والعمليات العقلية التي يمارسها في سبيل استنطاق النص من داخله، وربط الآيات ببعضها، على نحو لا يجافي مقاصد القرآن.

وفيما يخص العنصر الأول، فإن المنهج هو المقترب الذي يجنب المفسِّر الشططَ والغلو والتخبط في الربط بين الآيات القرآنية؛ إذ يحول دون الجمع بين الآيات، على نحو مستهتر يخضع للرأي الصوري أو الذوقي الصرف، كما يمنع من تدخل القبليات التي لا تتناسب بتاتاً مع أهداف النص ومقاصده، ويعمل على تضبيط المقبول منها، في حدود صائنة من التعدي على روح النص وفضائه العام. وهذا ما يكفل للمتلقين تفسيراً منهجياً بديلاً عن التفسير المذهبي، الذي تتضخم فيه قناعات المفسر المسبقة، لتتحكم في النتائج المحصل عليها، وتدفعَ بالعمل التفسيري كي يقود إليها. ويحقق المنهج هذه الإنجازات، من خلال ترجيح كفة العنصر الثاني وتغليبه أثناء البحث، فيفرض على المفسر التزود بالعدة التي تتيح له الفهم الدقيق للنصوص، والربط الصحيح بينها، ويفرض عليه استعمال أدوات تنتمي إلى حقل الدراسة المنهجية، حتى يتمكن من العثور على إجابات حقيقية، حيال الأسئلة المطروحة على الوحي.

وتزداد أهمية اتباع المنهج لكونه الأقدر على تحقيق هدف تفسير القرآن بالقرآن، والمتمثل في ضمان مطابقة القصد الإلهي. ومن شأن هذا الهدف إذا تحقق، أن ييسر فقه كلام الله على حقيقته، وتثوير النصّ، وتفجير طاقاته في مواجهة الزمان المتغيّر، والمثقل بالوقائع والمستجدات. ومن هذا المنطلق، فإصابة المنهج في تفسير القرآن بالقرآن، تمكن من قراءة الواقع بالنص، وفهم حركته، تمهيداً للتأثير فيه، و تمكننا كذلك من تفعيل الدور التفسيري للقرآن في علاقته بالكون.

2. المدخل الإجرائي:

تأصيل الأدوات الإجرائية:

إن تعيين المعنى الذي يدل عليه القول بدقة، لا يتحقق بمعزل عن مقاصد البَاثّ. والتعرف على هذه المقاصد يعتمد على سبيلين؛ أحدهما استفسار المتكلم مباشرة عند حضوره، والثاني رد بعض كلامه إلى بعض عند غيابه. ولما كان القرآن الكريم كلاماً كان هذان السبيلان، أولى الوسائل بالاعتبار عند إرادة التعرف على مراد الله، واتباعهما أمثل طرق تفسير القرآن بالقرآن.

وقد تحقق السبيل الأول تاريخياً، عبر الاتصال المباشر الذي يؤمنه الوحي، واتخذ شكلين نتج كلٌّ منهما عن صور إشكال المعنى على المتلقين؛ إذ يتمثل الشكل الأول في بعض حالات النزول التدريجي لآيات القرآن، التي نذكر منها ما رواه أنس رضي الله عنه، عندما نزل تحريم الخمر: "فقال بعض القوم: قُتل قوم وهي في بطونهم، قال: فأنزل الله ?ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات.? (المائدة:93) " أما الشكل الثاني فتمثله حالات الربط النبوي بين الآي، ومنها قول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: "لما نزلت: ?الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم? (الأنعام:82) قلنا: يا رسول الله أيّنا لا يظلم نفسه؟ قال: ليس كما تقولون. ?لم يلبسوا إيمانهم بظلم?: بشرك، أولم تسمعوا إلى قول

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير