تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

لقمان لابنه: ?يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم.? (لقمان:13) "

أما السبيل الثاني؛ فيضم حالات الاستفسار حين لا يغيب الباث غياباً مادياً فحسب، بل يستحيل كل اتصال مباشر به تبعاً لختم النبوة. وهذا أحد وجوه عسر التفسير التي صورها الزركشي، فعدّ القرآن "كلام متكلم لم يصل الناس إلى مراده بالسماع منه، ولا إمكان للوصول إليه، بخلاف الأمثال والأشعار، فإن الإنسان يمكن علمه بمراد المتكلم، بأن يسمع منه أو يسمع ممن سمع منه. أما القرآن فتفسيره على وجه القطع لا يعلم إلا بأن يسمع من الرسول عليه السلام، وذلك متعذر إلا في آيات قلائل." فعدم تحديد المتكلم لمعاني كلامه إزاء حالات الاستفسار المتجددة، يعوق تحديد المعنى المقصود، ويحول دون القطع به، فيغيب المعنى ويتعذر إدراكه.

وهذا مأزق دلالي لا خلاص منه إلا باعتماد مدخلين منهجيين؛ أولهما رد بعض الكلام إلى بعض قدر الإمكان، خاصة إذا وردت مؤشرات تشعر بقصد المتكلم إليه، وهو قصد يثبت بالنظر إلى المواضع التي وظف فيها الإحالة. وهذا الرد تسعف فيه مظان كثيرة، منها إحالة الله تعالى في النص المجمل المحتاج إلى تفسير، على نص آخر ورد فيه التفصيل كقوله تعالى: ?وعلى الذين هادوا حرمنا ما قصصنا عليك من قبل? (النحل، 118)؛ إذ حرم عليهم أموراً لم يبينها هنا، ولكنه أحال على تفصيلها الوارد في سورة أخرى، فتحتم الرجوع إليه وحمل الكلام عليه، وهو قوله تعالى: ?وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما إلا ما حملت ظهورهما أو الحوايا أو ما اختلط بعظم ذلك جزيناهم ببغيهم وإنا لصادقون.? (الأنعام:146)

أما المدخل الثاني فيقوم على الاستصحاب المنهجي لحالات البيان السابقة، فهو انتقال من الجزء (النموذج التفسيري) إلى الكل (القاعدة التفسيرية)، ويتم من خلال الوقوف على أوجه الربط بين الآية المفسِّرة والآية المفسَّرة، لاستخلاص الضوابط التي حكمت هذا الربط وتعديتها إلى غيرها، ومن ثم تأسيس قواعد تفك الإشكالات المستجدة. ومثاله ما جاء في بيان قوله تعالى: ?الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم? (الأنعام، 82) إذ ربطه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله تعالى: ?يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم? (لقمان، 13) مبينا أن المراد بالظلم هنا هو الشرك. بينما ذكر علي رضي الله عنه، أن الآية نزلت في إبراهيم عليه السلام وأصحابه فربطها بسياقها. فبالنسبة للحالة الأولى، نبّه الربط النبوي إلى ضابط مهم، هو الوحدة الموضوعية، أي الضابط الذي يراعي الملحظ التكاملي بين النصوص، فيجمع ما كان منها ذا صلة بالموضوع في مقام واحد. وقد جمع هنا نصين، أولهما موضع استفسار، والثاني مفتاح تفسير، والقاسم المشترك بينهما هو الحديث عن "الظلم". وبالتدقيق في الحديث، يبدو أن مثار الإشكال في قوله تعالى: ?ولم يلبسوا إيمانهم بظلم? (الأنعام:82) هو تقرير الآية لحكم شرعي بلفظ عام، وسبب العموم مجيء النكرة في سياق النفي، فكان ذلك مظنة لأن يفهم منه العموم في كل ظلم، دقّ أو جلّ، ولأجل هذا سأل الصحابة ليتبينوا أي أنواع الظلم أراد الله في الآية. فأجاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله تعالى: ?يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم،? (لقمان:13) دلالة منه على أن المراد بالظلم في آية الأنعام، هو الشرك بالله تعالى. وعلى هذا الأساس تكون علاقة الظلم بالشرك، علاقة كل بجزء؛ إذ الشرك من مشمولات الظلم، ويلزم النظر إلى علاقتهما بمقتضى الضابط الكلي. و هناك ضابط آخر دل عليه التفسير المأثور عن علي رضي الله عنه، وهو الضابط السياقي؛ إذ اكتنف الآية من طرفيها، تنديد بالشرك والأوثان، إضافة إلى أن السورة جاءت مقررة لقواعد التوحيد وهادمة لقواعد الشرك.

رصف الأدوات الإجرائية ووصفها:

بعد أن تَمَّ تأصيل أبرز الأدوات الإجرائية، التي يعتمدها منهج تفسير القرآن بالقرآن، نأت إلي رصف ووصف للأدوات السالفة ولأدوات أخرى، تبعاً لاعتبارات متعددة، يترجم كل منها مستوى للتعامل مع نص قرآني، وهذه الاعتبارات هي:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير