تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

باعتبار نقل النص: وبه يدخل في التفسير بالقرآن، البيانُ بالقراءات المتواترة، لأن تعددها كتعدد الآي، ولأن المعنى المراد هو ما دلت عليه الآية بقراءاتها المتواترة، وهذا من صور الإعجاز بالإيجاز؛ إذ يدل على معان متعددة مقصودة للشارع، معبَّر عنها بلفظ واحد. ثم إن القراءات المتواترة التي تتوارد على الآية الواحدة إما أن تكون:

- متحدة في المعنى العام ومبينة لبعضها كما في قوله: ?ولهم عذاب عظيم بما كانوا يكذبون? (البقرة:10)، فقد قرأ الكوفيون?يَكْذِبُونَ? بالتخفيف، وقرأ الباقون بالتشديد، والقراءتان "متداخلتان ترجعان إلى معنى واحد، لأن من كذب رسالة الرسل وحجة النبوة، فهو كاذب على الله، ومن كذِب على الله وجحَد تنزيله فهو مكذب بما أنزل الله."

- أو مستقلة عن بعضها البعض في المعنى، وفي هذه الحالة تكون لها صورتان:

الصورة الأولى: أن تضيف كل قراءة معنى جديداً دون تعارض، كما في قوله: ?بضنين? (التكوير:24) فقرأها نافع وابن عامر وعاصم وحمزة بالضاد، وقرأها الباقون بالظاء، والآية الأولى نفت عن الرسول صلى الله عليه وسلم الضنة والبخل بالوحي، بينما نفت عنه الثانية الزيادة والنقصان فيه. ولا تعارض بين القراءتين؛ فقد دلتا معاً على تنزيه الرسول عما يضاد مقصود الرسالة من كتمان.

الصورة الثانية: أن تضيف كل قراءة معنى جديدا مع ظهور التعارض، وهنا يلزم توجيه الخلاف لرفع التعارض الظاهري. ومن ذلك قوله تعالى: ?وأرجلَكم إلى الكعبين? (المائدة:6) مع قراءة ?وأرجلِكم? فقد قال الشنقيطي في بيانهما: قراءة الخفض المفهمة مسح الرجلين في الوضوء، تبينها قراءة النصب الصريحة في الغَسل، فهي مبينة وجوب غسل الرجلين في الوضوء، فيفهم منها أن قراءة الخفض لأجل المجاورة للمخفوض أو لغير ذلك من المعاني."

باعتبار القرب الموضعي للنص: وهو البيان الفوري الذي يقع فيه الاتصال المباشر بين الآية المفسَّرة والآية المفسِّرة، ومثاله قوله تعالى: ?وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود،? (البقرة:187) فقد بين المراد من الخيط الأبيض والأسود قوله: ?من الفجر?. وهذا النوع من البيان يستدعي استحضار الضابط السياقي، وما من شك في أنه كان حاضراً في ذهن المفسر الأول – رسول الله صلى الله عليه وسلم- عند بيانه لمراد الله من كلامه، كما تؤكد حالات البيان النبوي، والتي نذكر منها قوله: "الدعاء هو العبادة، ثم قرأ ?وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين.? (غافر:60) " فهنا فسّر "الدعاء" الوارد في هذا السياق بـ"العبادة" اعتمادا على ما ورد في آخر الآية: ?إن الذين يستكبرون عن عبادتي? وهو ترجيح أحد المعاني المحتملة بقرينة السياق.

باعتبار القرب الموضوعي للنص: وهو البيان المتراخي الذي تنفصل فيه الآية المفسِّرة عن الآية المفسَّرة موضِعياً، وتتصل بها موضوعياً. ويستدعي هذا النوع مراعاة الضابط الموضوعي في التعامل مع النصوص، وذلك بجمع الآيات التي تعالج قضية واحدة في مقام واحد، والنظر في بعضها على ضوء بعضها الآخر. وقد كان هذا الضابط حاضراً في البيان النبوي، ومن ذلك أن النبي جمع الآيات التي تتحدث عن ماء أهل النار، وفسر بعضها ببعض، ففي قوله تعالى: ?ويسقى من ماء صديد يتجرعه? (إبراهيم، 16 - 17) قال عليه السلام:"يقرب إليه فيكرهه، فإذا دنا منه شوى وجهه ووقع فروة رأسه، فإذا شربه قطع أمعاءه حتى يخرج من دبره، يقول الله عز وجل: ?وسقوا ماء حميما فقطع أمعاءهم? (محمد، 15) ويقول الله عز وجل: ?وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب? (الكهف، 29) ". ولهذا النوع من البيان صور منها:

- أن يذكر شيء في موضع، ثم يقع عنه سؤال وجواب في موضع آخر، يزيده وضوحا وتفصيلا ومن ذلك قوله تعالى: ?ملك يوم الدين? (الفاتحة:3)، فقد جاء بيانه عن طريق السؤال والجواب في موضع آخر، وهو قوله تعالى: ?وما أدراك ما يوم الدين ثم ما أدراك ما يوم الدين يوم لا تملك نفس لنفس شيئا والأمر يومئذ لله? (الانفطار، 17 - 19).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير