تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

الذكر كالأمة يجلد خمسين، فبين هذا المفهوم أن المراد بالزاني في آية النور خصوص الحر؛ وبيان المفهوم بالمفهوم: في قوله تعالى: ?والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب? (المائدة:5)؛ إذ إن تفسير المحصنات هنا بالحرائر، يدل بمفهومه على عدم جواز نكاح الأمة الكتابية. ويدل على هذا المعنى كذلك مفهوم قوله تعالى: ?ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات.? (النساء:25)

خاتمة

حاولت هذه الدراسة ضبط مفهوم "تفسير القرآن بالقرآن" من خلال تحليل ألفاظه إفراداً وتركيباً، مستثمرةً معطيات الدرس اللغوي، وموظفةً لها في استخلاص خصائص القرآن، وخصائص تفسيره وخصائص التفسير به. وحاولت الدراسة مقاربة إشكالات جوهرية مرتبطة بالتفسير عموماً، وبتفسير القرآن بالقرآن على وجه الخصوص، من قبيل مناقشة مدى حاجة الكتاب الفعلية إلى ما يُبَيِّنُه، ومدى حاجة المتلقي إلى وساطة تقرِّب إليه مدلولات كلام الله، ومن قبيل تحديد الجهة التي يَصْدُر عنها تفسير القرآن بالقرآن، ومستوى حجيته، والمقدار الذي يدخل في مسماه. كما حاولت الدراسة، تأصيل منهج هذا النوع من التفسير، مع بيان سبل استقاء أدواته الإجرائية وسبل توظيفها.

ويمكن إجمال أهم النتائج التي توصلت إليها الدراسة، في فكرة أساس مفادها، أن تفسير القرآن بالقرآن ليس هو أقوى التفاسير على الإطلاق، فكونه مستمداً من القرآن الكريم نفسه، لا يكفي لتحديد مستوى حجيته، لأن ذلك المستوى تابع لمستوى مؤهلات المفسِّر؛ إذ هو المسؤول عن الربط بين آيات القرآن الكريم. فالتفسير بطبيعته، عملية مركبة تتدخل في تشكيل نتيجتها أمورٌ منها: تصورُ المفسر لحدود عمله، وتصورُه للنص القرآني وطبيعته، وتصورُه للتفسير ووظيفته.

ومن هذا المنطلق فإن أصح ربط تفسيري بين آيات القرآن الكريم، هو الربط الصادر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذي يمكن أن نسميه "البيان النبوي للقرآن بالقرآن"، أما ما عداه من ربط، فإن تقييمه يكون بناء على ملاحظة مدى قربه أو بعده المنهجي من ذلك البيان النبوي.

أما الجوانب التي تدعو هذه الدراسة إلى الإقبال عليها، بمزيد من تعميق النظر والبحث، لتكوين صورة متكاملة عن حقيقة هذا النوع من التفسير فتتمثل فيما يلي:

- إنجاز دراسة تاريخية ترصد تطور تفسير القرآن بالقرآن منذ نشأته في عهد النبوة، إلى حاله في واقع الدراسات القرآنية المعاصرة، ويقتضي ذلك البحث عن مظان تفسير القرآن بالقرآن، واستخراج مادته العلمية منها.

- التأصيل لسائر الأدوات الإجرائية المعتمدة في منهج تفسير القرآن بالقرآن، بردها إلى أصولها النظرية التي تستمد منها مشروعيتها.

- إنجاز دراسات نقدية تنظر في التفاسير التي ترفع شعار تفسير القرآن بالقرآن، للكشف عن مدى تمثلها لمفهومه والتزامها بضوابط منهجه.

وإضافة إلى هذه الجوانب فإن مجال التفكير يبقى مفتوحاً لمعالجة قضية ذات طبيعة جوهرية، تثيرها النهايات المعرفية لمفهوم تفسير القرآن بالقرآن ومنهجه. ذلك أن حصر الصحيح المعتبر من هذا التفسير في البيان النبوي للقرآن بالقرآن، وفي التفاسير التي تستقي منه ضوابط المنهج، ثم تُوظفها في الربط بين الآيات، يفرض معالجة الأسئلة الآتية:

- هل يفضي اعتماد البيان النبوي واستصحاب منهجه، إلى حصول اليقين من إدراك القصد الإلهي الثاوي في القرآن الكريم، ومن ثم الاطمئنان إلى أن ما توصل إليه المفسر هو عين مراد الله تعالى؟

- وهل يُمَكِّن البيان النبوي ومنهجه من الوصول إلى المعنى الأول المقصود في أصل النظم؟ أم أن المعنى الذي تقترحه المعادلة التفسيرية، يبقى محتمِلاً لأن يصيب القصد أو يخطئه، مهما كانت العدة المنهجية التي يعتمد عليها المفسر؟

ولعل التناول المنهجي الأنسب، لحسم النقاش الذي تثيره هذه الأسئلة، هو النظر في روافد احتمال انفتاح الدلالة وعدم إدراك القصد؛ إذ بحسب حال الروافد وجوداً أو عدماً وقوةً أو ضعفاً يتم الحكم على الاحتمال بالاعتبار أو الإلغاء. ولعل المداخل الأنسب للنظر في تلك الروافد، هما مدخلا اللغة و المقاصد؛ فمن جهة اللغة يتجاذب قضية القصد طرفان: أحدهما هو ما تفرضه الطبيعة التواصلية للغة، من أن الأصل هو إدراك المعنى ما لم يوجد ما يحول دون ذلك، والثاني هو ما تفرضه العلاقة الجدلية بين إطلاقيّة الكلام الإلهي، ونِسْبِيِّة التعقل البشري، من أن الأصل هو تعذر الإحاطة بمراد الله. ومن جهة المقاصد يتجاذب قضية القصد طرفان آخران: أحدهما هو ما يقتضيه أصل وضع الشريعة للإفهام من إمكان الوصول إلى المعنى المقصود، المتضمن في الخطاب الشرعي، والثاني ما يقتضيه النظر في مقدار الفهم المجزِئ، الذي يحصل به التكليف من أن الشارع لم يطالب المجتهدين بإدراك عين مراده، وإنما طالبهم بما ترجح لديهم أنه المراد، ومعلوم أن ذلك محكوم بمتغيرين نسبيين هما: السقف المعرفي وتأثير الواقع.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير