تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ج: طبعا قد يُقال بأنه لا كهنوت في الإسلام ولا بابوية في الإسلام ولا كنسية في الإسلام، هذا كله صحيح، ولكنه قد يكون من باب الحق الذي يُراد به باطل أحياناً؛ لأن الاجتهاد ليس كهانوتياً ولا بابوياً، ولا يستطيع أحداً أن يزعم لنفسه قدسية لكلامه أنه يُستمد من الله، أو من الوحي. الاجتهاد هو قضية تخصص وتمكن وخبرة، ففي كل مجال هناك متخصصون، وهناك مراجع في كل مجال، وهناك أئمة في كل فن؛ أئمة في الرياضيات، وأئمة في الطب، ومجتهدون في الاقتصاد. فالتخصص العلمي الإسلامي وبلوغ مرحلة الاجتهاد إنما كما يقع في سائر العلوم. فالآن حينما يأتي بعض الصحفيين مثلاً فيكتب ويتطاول على نظريات طبية أو كيميائية أو فيزيائية يعرض نفسه أن يكون أضحوكة، وربما يُوصف بأنه مرتزق يملأ الصفحات، ويأخذ أجره لا أقل ولا أكثر. فتطاول أي واحد على أي علم لا يجعل منه عالماً، فضلاً عن أن يجعل منه مجتهداً في ذلك العلم، فهكذا الدين خبرة دراسية، وميراث طويل، وعكوف على الرصيد العلمي السابق لكي يبني الإنسان عليه؛ لكي يجتهد في إطاره كما يقع تقريباً في سائر العلوم، ولذلك شيء طبيعي أن تكون هنالك شروط للاجتهاد الحقيقي والاجتهاد المشروع والاجتهاد المقبول. واليوم هنالك فوضى، وكل يوم يتجرأ من شاء على الاجتهاد وربما واقعنا لم يعد يسمح لنا بأن نمنع أحداً، لكن سيظل كل كلام في مستوى صاحبه، وفي مستوى مضمونه، وستظل الأمة ولا تزال -والحمد لله- تتطلع إلى من لهم المكانة الحقيقية ومن لهم الأهلية الحقيقية، وغيرهم يتكلمون ويمضي كلامهم، ولربما يشغل كلامهم بعض المواقع الإلكترونية، أو بعض البرامج التلفزيونية، أو صفحات بعض الجرائد فأما الزبد فيذهب جفاء وما ينفع الناس فيمكث في الأرض. إذن مسألة الشروط في الاجتهاد لا بد منها وتفاصيل هذه الشروط هي مسألة تبحث في أصول الفقه، لكن على العموم لا ينبغي أن يختلف اثنان في أنه لا بد من أهلية معينة وخبرة معينة وتمرّس معين لكي يُقبل كلام الشخص فيما يحتاج إلى نظر وبحث واجتهاد.

س: هل تتفق مع القول: إن شروط الاجتهاد التي وضعها بعض الأصوليين كانت معقدة من الصعب توفرها في أي شخص؟

ج: طبعاً إذا قرأنا شروط المجتهد في كتب الأصول فسنجد تفاوتاً، فصحيح هناك من شدد وبالغ، وهناك من ليس كذلك، فالتعميم غير صحيح، ولكن على العموم بمرور الوقت -كما وقع في جوانب أخرى من الدين- تراكمت الخطوات التشديدية شيئاً فشيئاً، فإذا أخذنا آخر ما استقر عليه غالب الأصوليين فنجد أنه يميل إلى التشديد، وإلى وضع شروط ليست ضرورية، ولذلك لما جاء الإمام الشاطبي متأخراً في القرن الثامن، والإمام الشاطبي -كما هو معروف- كان ذا نزعة تصحيحية وتجديدية، تعامل مع شروط المجتهد بطريقة مختلفة تماماً. وكأنه تعمّد إسقاط لائحة طويلة من شروط المجتهد وشروط الاجتهاد، وحصر هذه الشروط في أمرين اثنين، أمرين لا ثالث لهما؛ لأنهما يجمعان غيرهما من الأمور، وهما العلم باللغة العربية، والعلم بمقاصد الشريعة فقط، ولكن هذين الشرطين يختصران شروطاً أخرى ضمنية؛ لأنه لن يعرف مقاصد الشريعة من لم يكن مطلعاً على القرآن الكريم وعلى السنة النبوية وعلى فهم المتقدمين.

فهذا الدين هو كله عبارة عن نصوص باللغة العربية، وهي مفتاح كل كلمة في الدين وكل نص وكل حديث وكل آية. كما أن التراث العلمي للمسلمين يكاد يكون كله أيضاً مكتوباً باللغة العربية، من فقه وشروح حديث وتفاسير وغير ذلك من المؤلفات. إذن تبقى اللغة العربية تمثل شرطاً كبيراً، فبحسب مستوى الإنسان في اللغة العربية تكون أهليته ويكون مستواه في الاجتهاد. الأمر الآخر وهو مقاصد الشريعة فالإنسان لكي يعرف مقاصد الشريعة يجب أن يدمن معرفة النصوص الشرعية من القرآن والسنة، ويستعين في ذلك؛ لأنه لا أحد يبلغ به الغرور أن يستغني عمّن سبقوه في أي علم شرعي كان أو غير شرعي.

فإذن ضمنياً يحتاج الإنسان إلى عدة أمور لكي ينتهي إلى هذه النتيجة التي اسمها معرفة مقاصد الشريعة.

س: الاجتهاد معناه إعمال العقل البشري في المسائل الشرعية، وهذا سيؤدي إلى الخطأ في بعض الحالات .. كيف تعامل ج: الشارع مع من خطأ المجتهد المستوفي للشروط؟

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير