تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وعباراتهم لم يظهر فيها خروجهم عن طريقتهم في التمثيل للفظ العام، ولا أدري لماذا حكم في سورة الأنعام على أقوالهم بالتخصيص، كما إن الذي يظهر من المروي عن مجاهد أنه لم ينصَّ على التخصيص، ولعله أخذ هذا من أسلوب الطبري ـ الذي هو من أهم مصادر ابن عطية ـ في تعليقه على أحد أقوالهم في آية الأنعام، فقد قال الطبري: ((وقد قيل: إنما قيل: لا تقربوا ما ظهر من الفواحش وما بطن، لأنهم كانوا يستقبحون من معاني الزنى بعضًا.

وليس ما قالوا من ذلك بمدفوع، غير أن دليلَ الظاهرِ من التنزيل على النهي عن ظاهر كل فاحشة وباطنها، ولا خبر يقطع العذرَ بأنه عُنِيَ به بعضٌ دون جميع. وغير جائز إحالة ظاهر كتاب الله إلى باطن، إلا بحجة يجب التسليم لها)).

وفي أسلوب روايته لخبر مجاهد في تفسير آية الأعراف، قال الطبري: ((يقول تعالى ذكره لنبيه محمد: قل، يا محمد، لهؤلاء المشركين الذين يتجرّدون من ثيابهم للطواف بالبيت، ويحرمون أكل طيبات ما أحل الله لهم من رزقه: أيها القوم، إن الله لم يحرم ما تحرمونه، بل أحل ذلك لعباده المؤمنين وطيَّبه لهم، وإنما حرم ربِّي القبائح من الأشياء = وهي"الفواحش" ="ما ظهر منها"، فكان علانية ="وما بطن"، منها فكان سرًّا في خفاء.

وقد روي عن مجاهد في ذلك ما: حدثني الحارث قال، حدثني عبد العزيز قال، حدثنا أبو سعد قال، سمعت مجاهدًا يقول في قوله: (ما ظهر منها وما بطن)، قال:"ما ظهر منها"، طوافُ أهل الجاهلية عراة="وما بطن"، الزنى)).

وعادة الطبري ـ إذا كان يوافق قول أهل التأويل ـ أن يقول: ((وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل))، أو عبارة نحوها، وعدوله إلى هذه الصيغة تُشعر بأن قول مجاهد على الخصوص، وهو مغاير لما اختاره من العموم، والله أعلم.

ولا أدري ـ أيضًا ـ لماذا حمل الإمام ابن عطية كلام مجاهد على التخصيص، ولم يحمله ـ على ما عوَّدنا وتعلَّمنا منه في مثل هذه الحال ـ على التمثيل، خصوصًا أنه قال بعد ذلك: ((وقيل غير هذا مما يأتي على طريق المثال))، فهل خرج كلام مجاهد عن التمثيل؟!

لم يظهر لي خروج عبارة مجاهد عن طريقتهم في التعبير عن اللفظ العام بمثال، والذي يدل على ذلك ـ أيضًا ـ أن ابن أبي حاتم روى بسنده ـ في آية سورة الأعراف ـ عن مجاهد تفسير مغايرًا، قال: حدثنا أبي، ثنا أبو غسان مالك بن إسماعيل، ثنا قيس، عن خصيف، عن مجاهد: (ما ظهر منها وما بطن)، فقوله: (ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم)، وقوله: (وأن تجمعوا بين الأختين))). وهو عند الطبري من طريق خصيف عن مجاهد في تفسير آية الأنعام: (("ما ظهر"، جمعٌ بين الأختين، وتزويج الرجل امرأة أبيه من بعده ="وما بطن"، الزنى)).

وهذا التغاير في الروايات الواردة عن مجاهد تدل على أن مجاهدًا يذهب إلى العموم في جملة (ماظهر منها وما بطن)، لذا مثَّل في كل مرة بمثال مغاير للآخر، والله أعلم.

وفي مثل هذا الحال يمكن أن يقع الاستفسار الآتي؟

هل ما ذكره السلف من تفسيرات يدخل في معنى (ما ظهر من الفواحش وما بطن)؟

والجواب: نعم.

فإذا كانت تدخل، فكيف نتعامل معها بأسلوب علمي يبرز أقوالهم وينبه على العموم؟

فالجواب: ما دام ما قاله السلف من الأمثلة صحيحًا غير مدفوع، فإننا نذكر العموم، ثم نذكر مثالاً له من أقوالهم، فنقول: ولا تقربوا الظاهرَ من الأشياء المحرّمة عليكم، التي هي علانية بينكم لا تناكرون ركوبها؛ كنكاح زوجات الأب، والباطنَ منها الذي تأتونه سرًّا في خفاء لا تجاهرون به؛ كالزني الذي تأتونه سرًّا، فإن كل ذلك حرام.

فائدة تتعلق بالتفسير بالمثال: الأصل عندهم التعبير عن العموم بالمثال

لقد استفدت من كلام ابن عطية وغيره في موضوع (التفسير بالمثال) قاعدة استنبطتُها من تطبيقاتهم، وهي: أن الأصل في تعبيرات السلف عن العموم ـ التي قد يُفهم منها تخصيص العموم ـ أنها على التمثيل، إلا إذا وردت قرينة في النصِّ تفيد بأن مرادهم التخصيص.

ثانيها: تفسير الإثم بالخمر، قال الإمام ابن عطية: ((والإثم) أيضاً: لفظه عام لجميع الأفعال والأقوال التي يتعلق بمرتكبها إثم، هذا قول الجمهور.

وقال بعض الناس: هي الخمر ... )).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير