تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

نسب الثعلبي في تفسيره (الكشف والبيان) هذا القول إلى الحسن البصري، وزاد ابن الجوزي نسبته إلى عطاء، ونسبه ناس عن الاخفش؛ كما ذكر ابن فارس في مادة (أ ث م) من كتابه (مقاييس اللغة).

ولو ثبتت نسبته إلى الحسن البصري لكان قولاً يُعتدُّ به في اللغة؛ لأن الحسن ممن تُحكى عنه اللغة، لكن تتابع كلام العلماء على إنكار هذا المعنى، وتنبيههم على أن البيوت المستشهد بها مصنوعة (1) يُضعف أن يكون معنًى لغويًّا معتبرًا.

وتوجيه إطلاق مسمى الإثم على الخمر ـ لو صحَّت هذه التسمية في اللغة ـ كما ذكر ابن فارس في مادة (أ ث م) من كتابه (مقاييس اللغة)، قال: ((فإنْ كان هذا صحيحاً، فهو القياس؛ لأنّها تُوقِع صاحبها في الإثم))، ويكون هذا من باب تسمية الشيء بنتيجته ومآله.

وفي هذا الموضوع تنبيهات:

التنبيهالأول: إن رواية هذا التفسير عن الحسن البصري لم ترد ـ حسبما اطلعت عليه ـ إلا عند الثعلبي (ت: 427)، وروايته عن الحسن البصري من طريق عمرو بن عبيد، وهي رواية غير موثوق بها؛ لأن عمرًا متهمًا في روايته هذا التفسير عن الحسن البصري، فقد ورد في أخبار القضاة لوكيع في ترجمة عباد بن منصور الناجي الإسناد الآتي: ((حدثني الأحوص محمد بن الهيثم، قال: حدثنا أبو بكر بن الأسود، قال: حدثنا حماد بن زيد، عن أيوب، عن عباد بن منصور، قال: نظرت في تفسير لعمرو بن عبيد، عن الحسن، فقلت: ليس هذا تفسير الحسن، فقال: أشياء زدناها نذكر بها أصحابنا)).

ولم يورد الثعلبي في أسانيده في أول كتابه (الكشف والبيان عن الحسن البصري غير هذه الرواية.

التنبيه الثاني: إن توارد كلمة العلماء على إنكار هذا المعنى اللغوي للفظة حجة في الإنكار؛ إذ لو كان لهذا المعنى وجه في العربية لقال به من كلامه معتمد أو نقله حجة، وعمل العلماء في هذا الإنكار مقدَّم على وروده عمَّن حُكي عنهم.

التنبيه الثالث: مما يزيد الاعتماد على حجية عمل العلماء كون المروي والمنقول بلا إسناد، وإنما هو حكاية عمَّن حُكي عنه (الحسن وعطاء والأخفش)، وكون الأشعار المعتمد عليها قد حكم عليها العلماء بالصُّنع، فليست ما يصلح للاحتجاج.

وهكذا مقام ما يروى بلا إسناد، فإنه ليس بحجة مطلقًا، وإن ذُكر بصيغة التمريض (يُروى، حُكي ... ) فإن مقامه أقلَّ من أن يُستأنس به، وحكايته في كتب التفسير لا تعني الاعتماد عليه، وإنما هو في مرتبة متأخرة في درجة الاعتضاد به، وإذا ذُكر مع الأقوال الصحيحة، فليس فيه قيمة بذاته، وإنما أعلى أحواله التنبيه على أنه وافق قولاً معتبرًا، وليس حال هذا التفسير في هذا المثال من هذا الجنس.

ثالثها: إذا ثبت أن الإثم ليس اسمًا للخمر، فهل يصح أن يكون الخمر مما يدخل في معنى الآية؟

لو قال قائل بأنها هي المقصود الأول بالخمر، فإنه يجاب عليه باعتراض الإمام ابن عطية حين قال: ((وهذا قول مردود؛ لأن هذه السورة مكية؛ ولم تعن الشريعة بتحريم الخمر إلا بالمدينة بعد (أُحُدٍ) لأن جماعة من الصحابة اصطحبوها يوم أحد وماتوا شهداء، وهي في أجوافهم)).

لكن إن قال: إن لفظة (الإثم) تشمل الخمر، فيقال له نعم؛ لأن الخمر يتسبب عنها الوقوع في الإثم، كما مرَّ من تبيه ابن فارس على هذا المعنى، مع أنه يحسن ملاحظة ما ذكره الإمام ابن عطية في هذا المقام من قوله: ((وإن صح فهو على حذف مضاف، وكأن ظاهر القرآن على هذا القول أن تحريم الخمر من قوله تعالى: {يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير} [البقرة: 219] وهو في هذه الآية قد حرم، فيأتي من هذا الخمر والإثم محرم فالخمر محرمة.

قال القاضي أبو محمد: ولكن لا يصح هذا لأن قوله {فيهما إثم} لفظ محتمل أن يراد به أنه يلحق الخمر من فساد العقل والافتراء وقتل النفس وغير ذلك آثام فكأنه قال في الخمر هذه الآثام أي هي بسببها ومعها وهذه الأشياء محرمة لا محالة، وخرجت الخمر من التحريم على هذا ولم يترتب القياس الذي ذهب إليه قائل ما ذكرناه، ويعضد هذا أنّا وجدنا الصحابة يشربون الخمر بعد نزول قوله {قل فيهما إثم} وفي بعض الأحاديث فتركها قوم للإثم الذي فيها وشربها قوم للمنافع، وإنما حرمت الخمر بظواهر القرآن ونصوص الأحاديث وإجماع الأمة)).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير