تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

هناك من الفواصل ما يتكرر ورودها بشكل ملتزم في السورة الواحدة. والالتزام أنواع، فقد يلتزم كلمة الفاصلة وحدها، كما ورد في سورة (البقرة) من التزام (يعلمون) أو (تعلمون) إحدى وعشرين مرة، أو التزام قسم مستقل من القرينة، وهو كثير مما تقفيته بالواو والنون فالياء والنون أو الياء والميم، كقوله تعالى: ( ... أصحاب النار هم فيها خالدون) يرد خمس مرات في سورة البقرة، أو التزام آية أو قرينة بأسرها، أهمُّه ما تردّد في سور (الرحمن) و (المرسلات) و (الصافات) و (الشعراء). وقد يلتزم السياق بتكرار مقطع كامل (آيات عدة)، كما جاء في سور (الشعراء) (الصافات) و (القمر). والمقطع الملتزم في سورة (الشعراء) لم يقتصر على آية أو ثلاث آيات، بل يصل إلى ست آيات مع تغيير طفيف يلائم السياق. وهو: (كذّبتْ قومُ نوحٍ المُرسلين /إذ قال لهم أخوهم نوحٌ ألا تتقون / إني لكم رسولٌ أمين / فاتقوا اللهَ وأطيعونِ/ وما أسألكم عليهِ من أجرٍ إنْ أجريَ إلا على ربّ العالمين)، واقتصر التغيير – برغم التكرار خمس مرات – على (قوم ثمود) , (أخوهم صالح) و (قوم لوط) و (أخوهم لوط) و (أصحاب الأيكة) و (أخوهم شُعيب) , وتقديم آية قبل الأخيرة في موضع واحد، ليتلاءم المقطع مع السياق، وليشيع في التجانس حيوية.

جمال الفاصلة

التقفية في التعبير الفني نظام عربي الأصل، قال بذلك البحاثون العرب والأجانب، ويرجع عباس محمود العقاد في كتابه (اللغة الشاعرة) ذلك (إلى أسباب خاصة لم تتكرر في غير البيئة العربية الأولى، أهمها سببان: هما الغناء المفرد، وبناء اللغة نفسها على الأوزان) (17)، ولا خلاف على جمال التقفية في التعبير الفني، وفي القرآن الكريم بالذات، حيث تبلغ الجمالية حدّ الإعجاز.

بوسعنا أن نتلمس الأبعاد الجمالية للفاصلة من خلال علم الجمال الذي تقوم عناصره على قانونين عامين اثنين: قانون الإيقاع وقانون العلاقات. وقانون الإيقاع بدوره يضمّ سبعة قوانين، يكمل بعضها بعضاً، هي: النظام والتغير والتساوي والتوازي والتلازم والتوازن والتكرار. ومقولة العلاقات في العمل الفني تعني وجود أجزاء متعددة، كما تعني أن الجزء يكتسب جماله من علاقته بما قبله وما بعده. وهذا ما عَكَسَه القانون القديم وحدة الشتات. فالصورة الجميلة بنية حية، تشتبك وحداتها في علاقات فيما بينها، وهي في مجموعها تؤلف تلك الوحدة التي هي نتاج تلك العلاقات (18).

الإيقاع

يتجلى قانون (النظام) في مظاهر شتى، مثل: اطّراد الفاصلة في القرآن كله، اطراداً لا يحوج إلى برهان، ثانيها التزامها الوقف، لا سيما الوقف على السكون، وهو معظم فواصل القرآن، ومألوف الوقف في فواصل القرآن العزيز أن يكون أكثر ما يكون على حرف النون مردوفاً بحروف المدّ واللين، ولا سيما الواو فالياء فالألف: (عدد الفواصل على سكون الروي 4557 وأقلّها فتح الروي 608 من مجموعها في عدّ الكوفيين 6236 آية، وذلك فضلاً عن المردوف في الوقف على الضمائر وهاء السكت). والمظهر الثالث للنظام افتتاح السور جميعاً – ما عدا سورة (التوبة) – بعبارة (بسم الله الرحمن الرحيم)، أو استهلال عدد من السور بمجموعات من الأحرف: (ق) (ن) (ح~م) ... لا شك بدورها التنبيهي أو الموسيقي المتسق مع ما بعدها أو قبلها، والإيحاء الموسيقي الذي يُحسّ اكثر مما يعبر عنه.

و (النظام) في العمل الفني، هو الذي يُثير التوقعات أولاً ثم يُشبعها ثانياً. فحين تلتزم فاصلة أو أكثر (الواو والنون) يتوقع المُرتِّل تكرر هذه الفاصلة من جديد، وحين يتحقق توقعُه يحدث لديه الإشباع، فيتطلع مرة ثانية وهكذا دواليك.

على أن التوقع وإشباع التوقع، أو النظام، أو (السيمترية) ليست وحدها تكفي العمل الفني، لأن استمرارها أو انفرادها ينشئان الرتابة فالملل (ومن الواضح لا توجد مفاجأة أو خيبة ظن لو لم يوجد التوقع، وربما كانت معظم ضروب الإيقاع تتألف من عدد من المفاجآت، ومشاعر التسويف وخيبة الظن لا يقل عن عدد الإشباعات البسيطة المباشرة، وهذا يفسر لنا لماذا سرعان ما يصبح الإيقاع المسرف في البساطة شيئاً مملاً تمجّه النفس، خالياً من الإيقاع والتأثير، ما لم تتدخل فيها حالات من التخدير، كما نجد في الكثير من الرقص

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير