تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

والموسيقى البدائيين، وكما هي الحال في الوزن) (19) وهذا ما يفضي بنا إلى قوانين علم الجمال الأخرى، كقانون (التغير).

إن قانون (التغيّر) يقوم على إحداث الصدمة للتوقع عن طريق المفاجأة السارّة، (فإن كان ما يُحدث هذه الصدمة شيء جديد يثير الاهتمام على نحو مؤكد، فإن الأثر الذي يتولد في نفوسنا هو أثر الشيء الطريف، أما إذا لم يوجد ما يعوّض هذه الصدمة، فحينئذ نُحسّ بما في الموضوع من قبح ونقص) (20)، وبعبارة مألوفة نقول: إن التأثير يعتمد على ما إذا كانت هناك علاقة تربط بين الأجزاء التي تؤلّف الكل.

الجدير بالذكر:

1 - أن تغيّر الرويّ في الفاصلة لم يبلغ حدّ الإهمال، مما يؤكد أهمية التقفية في البيان العربي وبيان القرآن الكريم.

2 - وأن أغلب سور القرآن – لاسيما الطوال منها – أخذت بنموذج (التغير) في الفواصل، وأن السور التي وحدت الفاصلة فإحدى عشرة سورة، ذكرناها من قبل.

3 – نموذج (التغير) في رويّ الفواصل قسمان: قسم يغير مقطعاً مقطعاً، وفي الآيات (6 - 9) من سورة الانفطار يتوفر القسمان معاً: (يا أيها الإنسان ما غرّك بِربِك الكريم) (الذي خلقَكَ فسَواكَ فَعَدلَك. في أيِّ صورةٍ ما شاءَ ركّبَك) (كلا بل تُكذّبون بِيومِ الدّين. وإن عليكم لَحافِظين. كِراماً كاتبين. يَعلمون ما تفعلون. إنّ الأبرار لفي نعيم. وإنّ الفُجّارَ لَفي جحيم. يَصلَونها يومَ الدّين. وما هم عنها بِغائبين. وما أدراكَ ما يومُ الدّين. ثُمَّ ما أدراكَ ما يومُ الدين.) (يومَ لا تَملِكُ نفسٌ لِنفسٍ شيئاً، والأمرُ يَومئذٍ للهِ).

4 – اتسع مجال تغير حرف الرويّ في الفواصل، حتى تناول حروف الأبجدية العربية أو معظمها، على تفاوت بينها في النسبة، فحرف النون فاصلة القرآن الأثيرة، فقد بلغ ما جاء عليها ساكنة بعد واو أو ياء (3050) خمسين وثلاثة آلاف فاصلة، منها (1758) ثمان وخمسون وسبع مئة وألف على الواو والنون، و (1291) إحدى وتسعون ومئتان وألف على الياء والنون، بينما لم ترد حروف كالغين إلا مرة واحدة: (أولئك يعلمُ اللهُ ما في قلوبهم، فأَعْرِضْ عنهم، وقلْ لهم في أنفسِهم قولاً بليغاً) (النساء: 63).

5 – لم ترد الفواصل المنفردة في أواخر السور وحسب! بل وردت في ثنايا السياق أو في البداية. قال تعالى في أول سورة (النصر): (إذا جاء نصرُ اللهِ والفتح)، وقال تعالى في سياق سورة (الرحمن): (ربُّ المشرقَينِ وربُّ المغربَينِ). والملاحظ أن معظم هذه الفواصل المنفردة قد سوّغت انفرادها البنية الداخلية للقرينة التي جاءت فيها. فمثلاً في قوله عزّ وجلّ ربُّ المشرقينِ وربُّ المغربينِ) ارتكزت الفاصلة (المغربين) على فاصلتها الداخلية (المشرقين)، كما كان للتقسيم والتقابل دور آخر، فضلاً عن أن السياق على حرف النون كذلك، وإن كانت نوناً مسبوقة بالألف الممدودة (فبأيّ آلاء ربِّكما تُكذّبانِ)، وقل مثل ذلك في الفواصل الأخر.

وإذا تأملنا القسم الذي يتغير مقطعاً مقطعاً وجدناه ألواناً وأنماطاً، بما يناسب السياق أو يقتضيه:

أ – قد يكون التغيّر محدوداً في مقطعين أو ثلاثة أو أربعة، كما يكون في مقاطع كثيرة تصل إلى عشرة مقاطع أو أكثر (والمراد بالمقطع فقرة موسيقية مؤلفة من آيات عدة).

ب – قد يكون التغيّر بسيطاً يتوالى مقطعاً مقطعاً (كمقاطع سورة العاديات)، وهو الغالب، كما يكون مركباً، أي يعرّج على رويّ سابق، وهو الأقل.

ج – قد يكون التغيّر بمقاطع متقاربة الطول، وغير متقاربة.

د – قد يكون التغير بمقاطع مختومة بلازمة (كمقاطع سورة المرسلات ولازمتها الآية: ويلٌ يومئذٍ للمُكذّبين)، وغير مختومة بلازمة.

هـ – يغلب على المقاطع الأخيرة في هذا القسم التزام رويّ النون مردوفاً بالواو أو الياء، انسجاماً مع شيوع هذه الفاصلة في القرآن.

و – معظم سور هذا القسم –إن لم نقل كلها – سور مكية.

وهذا غير التغير في طول القرينة من فاصلة إلى فاصلة، أو من مقطع إلى مقطع. ونكتفي بهذا القدر من الحديث عن قانونين من الإيقاع (النظام والتغير) للتمثيل.

العلاقات

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير