تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

لعلاقة (الفاصلة) بسياقها أنواع: علاقتها بقرينتها (أو الآية) التي وردت فيها، أو المقطع أو السورة، أو حتى الجزء الواحد من القرآن، وبمجموع القرآن الكريم.

أما علاقة الفاصلة بقرينتها، فقد أطلق عليه القدماء: ائتلاف الفواصل مع ما يدلّ عليه الكلام. قال الزركشي: (اعلم أنّ من المواضع التي يتأكد فيها إيقاع المناسبة مقاطع الكلام وأواخره، وإيقاع الشيء بما يشاكله. فلا بدّ أن تكون المناسبة للمعنى المذكور أولاً، وإلا خرج بعض الكلام عن بعض. وفواصل القرآن العظيم لا تخرج عن ذلك. لكن منه ما يظهر، ومنه ما يُستخرج بالتأمّل للبيب) (21). وقد حصروا هذا (الائتلاف) في أربعة أشياء، هي: التمكين، والتوشيح، والإيغال، والتصدير. الفرق بينها أنه إن كان تقدم لفظها بعينه في أول الآية سمّي تصديراً، وإن كان في أثناء الصدر سمّي توشيحاً، وإن أفادت معنى زائداً بعد تمام معنى الكلام سمّي إيغالاً، وربما اختلط التوشيح بالتصدير لكون كلّ منهما، صدرُهُ يدلّ على عجزه. والفرق بينهما أن دلالة التصدير لفظية، ودلالة التوشيح معنوية.

فالتمكين: هو أن يمهد قبل الفاصلة تمهيداً تأتي به الفاصلة ممكّنة في مكانها، مستقرة في قرارها، مطمئنة في موضعها، غير نافرة ولا قلقة، متعلقاً معناها بمعنى الكلام كله تعلقاً تاماً، بحيث لو طُرحت اختلََّ المعنى، واضطرب الفهم. مثل الخبر الذي أخرجه ابن أبي حاتم عن طريق الشعبي عن زيد بن ثابت قال: أملى عليّ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلّم هذه الآية: (ولقد خلقنا الإنسانَ من سُلالةٍ من طينٍ. ثمّ جعلناهُ نُطفةً في قرارٍ مكينٍ. ثم خلقنا النُّطفةَ عَلَقَةً، فخلقنا العَلَقَةَ مُضْغَةً، فخلقنا المُضْغَةً عِظاماً، فكسَونا العَظامَ لحماً، ثمّ أنشأناهُ خَلْقاً آخرَ ... ) (المؤمنون: 12 - 14)، وهنا قال مُعاذ بن جبل: (فَتَبارَكَ اللهُ أَحسَنُ الخالِقِين) فضحك رسولُ الله صلى اللهُ عليهٍ وسلّم، فقال له معاذ: مَمَّ ضحكتَ يا رسولَ اللهِ؟ قال: بها ختمتْ. (22)

والتصدير: هو أن تكون لفظة الفاصلة بعينها تقدمت في أول الآية، ويسمّى (ردّ العجز على الصدر)، وقيل هو ثلاثة أقسام. الأول: توافق آخر آية وآخر كلمة في الصدر، نحو قوله تعالى: ( .. أنزلَه بِعِلمِهِ والملائكةُ يَشهدونَ، وكفى باللهِ شهيداً) (المائدة: 165)، والثاني:: أن يوافق أول كلمة منه نحو: (وهَبْ لنا من لَدُنك َرحمةً. إنَكَ أنتَ الوهَّاب) (آل عمران: 8)، والثالث: أن يوافق بعض كلماته، نحو: (ولقدِ استُهزيءَ بِرُسُلٍ من قبلِكَ، فحاقَ بالذينَ سخِروا مِنهم ما كانوا بِهِ يَستهزِئون) (الأنعام: 10).

والتوشيح: سمّي بهذا الاسم لأن الكلام نفسه يدلّ على آخره، نُزّل المعنى منزلة الوشاح، ونُزّل أول الكلام وآخره منزلة العاتق والكشح، اللذين يجول عليهما الوشاح، ولهذا قيل فيه: إن الفاصلة تُعلم قبل ذكرها. وسمّاه بعض العلماء (المُطمِع)، لأن صدره مطمع في عجزه. قال تعالى: (إن الله اصطفى آدمَ ونوحاً وآل إبراهيمَ وآلَ عِمرانَ على العالمين) (آل عمران: 33)، فإن اصطفاء المذكورين يُعلم منه الفاصلة، إذ المذكورون نوع من جنس العالمين. وقوله: (وآيةٌ لهُمُ الليلُ نَسلخُ منه النهارَ فإذا هم مُظلِمون) (يس: 37)، فإنه من كان حافظاً لهذه السورة، مُتيقظاً إلى أن مقاطع فواصلها النون المردوفة، وسمع في صدر هذه الآية: (وآيةٌ لهم الليل نسلخُ منه النهارَ) علم أن الفاصلة (مُظلمون)، فإنَ من انسلخَ النهارُ عن ليله أظلم ما دامت تلك الحال (23).

الإيغال: سمّي بذلك، لأن المتكلم قد تجاوز المعنى الذي هو آخذ فيه، وبلغ إلى زيادة على الحدّ، كقوله تعالى: (أفحُكمَ الجاهليةِ يَبغون؟ ومنْ أحسنُ من اللهِ حُكماً لقومٍ يوقِنون؟) (المائدة: 50)، فإن الكلام قد تمّ بقوله: (ومن أحسنُ حكماً) ثم احتاج إلى فاصلة تناسب القرينة الأولى، فلما أتى بها أفاد معنى زائداً. (24)

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير