تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

3 - يهاجم الجرجاني الدعوة إلى إهمال الشعر والانصراف عن علم النحو، لأن ذلك يؤدي إلى الصد عن أن تعرف حجة الله في إعجاز القرآن، فيقول: "وأما النحو فظنته ضرباً من التكلف وباباً من التعسف، وشيئاً لا يستند إلى أصل ولا يعتمد فيه على عقل. وأن ما زاد منه على معرفة الرفع والنصب وما يتصل بذلك مما تجده في المبادئ فهو فضل لا يجدي نفعاً ولا تحصل منه على فائدة .. ذاك لأنهم بإيثارهم الجهل بذلك على العلم في معنى الصاد عن سبيل الله، والمبتغي إلى إطفاء نور الله تعالى.

وذاك أنا إذا كنا نعلم أن الجهة التي منها قامت الحجة بالقرآن وظهرت، وبانت وبهرت، هي أن كان على حد من الفصاحة تقصر عنه قوى البشر، ومنتهياً إلى غاية لا يطمح إليها بالفكر، وكان محالاً أن يعرف كونه كذلك إلا من عرف الشعر الذي هو ديوان العرب وعنوان الأدب .. كان الصاد عن ذلك صاداً عن أن تعرف حجة الله تعالى ... " (21).

4 - يورد الجرجاني تساؤلات من ينكر إعجاز القرآن: " .. فما هذا الذي تجدد بالقرآن من عظيم المزية وباهر الفضل والعجيب من الوصف، حتى أعجز الناس قاطبة، وحتى قهر من البلغاء والفصحاء القوي والقدر، وقيد الخواطر والفكر حتى خرست الشقاشق .. " (22).

ويجيب الجرجاني على هذه التساؤلات بأن الإعجاز يظهر في مزايا نظم القرآن وخصائص سياق لفظه. " .. فقيل لنا قد سمعنا ما قلتم، فخبرونا عنهم عماذا عجزوا أعن معان من دقة معانيه وحسنها وصحتها في العقول؟ أم عن ألفاظ مثل ألفاظه؟ فإن قلتم: عن الألفاظ. فماذا أعجزهم من اللفظ؟ أم بهرهم منه؟ فقلنا أعجزتهم مزايا ظهرت لهم في نظمه وخصائص صادفوها في سياق لفظه وبدائع راعتهم من مبادئ آية ومقاطعها ... " (23).

ويشترط الجرجاني لوصف الكلام بالبلاغة أن يجتمع فيه عنصران:

آ-حسن الدلالة وتمامها فيما كانت له الدلالة، وذلك بأن يؤتى المعنى من الجهةالتي هي أصح لتأديته.

ب- تبرج الدلالة في صورة بهية، وذلك بأن يختار للمعنى اللفظ الذي هو أخص به وأكشف عنه وأتم له (24).

ويشير الجرجاني إلى أن المجاز والإيجاز من أركان الإعجاز كذلك. ويؤكد على دور النظم في الإعجاز، ويرفض الزعم بأن الإعجاز في مذاقة الحروف وفي سلامتها مما يثقل على اللسان. فيقول: "ذلك لأنه أول شيء يؤدي إلى أن يكون القرآن معجزاً لا بما به كان قرآناً وكلام الله عز وجل. لأنه على كل حال إنما كان قرآناً وكلام الله عز وجل بالنظم الذي هو عليه. ومعلوم أن ليس النظم من مذاقه الحروف وسلامتها مما يثقل على اللسان في شيء. ثم أنه اتفاق من العقلاء أن الوصف الذي به تناهى القرآن إلى حد عجز عنه المخلوقون هو الفصاحة والبلاغة وما رأينا عاقلاً جعل القرآن فصيحاً أو بليغاً بآن لا يكون في حروفه ما يثقل على اللسان ... " (25).

" .. وتراهم على لسان واحد في أن المجاز والإيجاز من الأركان في أمر الإعجاز. وإذا كان الأمر كذلك عند كافة الذين تكلموا في المزايا التي للقرآن فينبغي أن ينظر في أمر الذي يسلم نفسه إلى الغرور فيزعم أن الوصف الذي كان له القرآن معجزاً هو سلامة حروفه مما يثقل على اللسان، أيصح له القول بذلك إلا من بعد أن يدعي الغلط على العقلاء قاطبة فيما قالوه، والخطأ فيما أجمعوا عليه؟ ... " (26).

"واعلم أنا لا نأبى أن تكون مذاقة الحروف وسلامتها مما يثقل على اللسان داخلاً فيما يوجب الفضيلة، وأن تكون مما يؤكد أمر الإعجاز، وإنما الذي ننكره ونفيّل رأي من يذهب إليه أن يجعله معجزاً به وحده، ويجعله الأصل والعمدة .. " (27).

5 - يناقش الجرجاني في فصل خاص (2) معنى التحدي بالإعجاز، فيقول: "يقال لهم: إنكم تتلون قول الله تعالى (قل لئن اجتمعت الأنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله (3 وقوله عز وجل (قل فأتوا بعشر سور مثله (4 وقوله (بسورة مثله) 5 فقولوا الآن: أيجوز أن يكون تعالى قد أمر نبيه صلى الله عليه وسلم بأن يتحدى العرب إلى أن يعرضوا القرآن بمثله من غير أن يكونوا قد عرفوا الوصف الذي إذا أتوا بكلام على ذلك الوصف كانوا قد أتوا بمثله؟ ولا بد من (لا) لأنهم أن قالوا: يجوز، أبطلوا التحدي من حيث أن التحدي كما لا يخفي مطالبة بأن يأتوا بكلام على وصف، ولا تصح المطالبة بالاتيان به على وصف من غير أن يكون ذلك الوصف معلوماً للمطالب ويبطل بذلك دعوى الإعجاز أيضاً .. ".

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير