ويخلص الجرجاني من ذلك إلى القول أن الوصف بالإعجاز "ينبغي أن يكون وصفاً قد تجدد بالقرآن وأمرا لم يوجد في غيره ولم يعرف قبل نزوله". ويقرر الجرجاني في ضوء ذلك أن الوصف بالإعجاز لا يجوز أن يكون:
آ-في الكلم المفردة.
ب-في تركيب الحركات والسكنات
ج-في المقاطع والفواصل
د-بأن لا يكون في حروفه ما يثقل على اللسان.
كما يرفض الجرجاني القول بالصرفة، فيقول: "ثم إن هذه الشناعات التي تقدم ذكرها تلزم أصحاب الصرفة أيضاً .. " ويعقب على كل ذلك قائلاً: "فإذا بطل أن يكون الوصف الذي أعجزهم من القرآن في شيء مما عددناه، لم يبق إلا أن يكون الاستعارة. ولا يمكن أن تجعل الاستعارة الأصل في الإعجاز، وأن يقصد إليها، لأن ذلك يؤدي إلى أن يكون الإعجاز في أي معدودة، في مواضع من السور الطوال مخصوصة".
ويظهر هنا جليا أن الجرجاني يرفض القول بأن القرآن معجز فقط في بعض المواضع ويتابع قائلاً: "وإذا امتنع ذلك فيما لم يبق إلا أن يكون في النظم والتأليف"، وكنا قد علمنا أن ليس النظم شيئاً غير توخى معاني النحو وأحكامه فيما بين الكلم".
"فإن قيل: قولك (إلا النظم) يقتضي إخراج ما في القرآن من الاستعارة وضروب المجاز من جملة ما هو به معجز، وذلك لا مساغ له. قيل: ليس الأمر كما ظننت، بل ذلك يقتضي دخول الاستعارة ونظائرها فيما هو به معجز، وذلك لأن هذه المعاني التي هي الاستعارة والكناية والتمثيل وسائر ضروب المجاز من بعدها من مقتضيات النظم، وعنها يحدث وبها يكون، لأنه لا يتصور أن يدخل شيء منها في الكلم وهي أفراد لم يتوخ فيما بينها حكم من أحكام النحو".
ثم يناقش الجرجاني القول بأن الوصف بالإعجاز هو في غريب القرآن، فيرفضه: " .. كيف وأنت تقرأ السورة من السور الطوال، فلا تجد فيها من الغريب شيئاً. وتأمل ما جمعه العلماء في غريب القرآن، فترى الغريب منه إلا في القليل، إنما كان غريباً من أجل استعارة هي فيه .. ثم إنه لو كان أكثر ألفاظ القرآن غريباً لكان محالاً أن يدخل ذلك في الإعجاز وأن يصح التحدي به". ويظهر هنا أن الجرجاني لا يرى أن القرآن معجز في بعض مواضعه فقط، بل إعجازه في كل مواضعه.
ويمكن تلخيص رأي الجرجاني في إعجاز القرآن بما يلي:
1 - إن الوصف الذي له كان القرآن معجزاً- وهو الفصاحة والبلاغة- قائم فيه أبداً والطريق إلى العلم به موجود والوصول إليه ممكن.
2 - لا بد من الرجوع إلى علم النحو والشعر العربي من أجل الكشف عن إعجاز القرآن.
3 - لا ترتبط البلاغة بالكلمة المفردة دون اعتبارها في النظم. ويجب أن يتوافر في الكلام البليغ عنصران: حسن الدلالة وتبرجها في صورة بهية. لذا يظهر إعجاز القرآن في مزايا نظمه وخصائص سياق لفظه.
4 - ليس النظم شيئاً غير توخي معاني النحو وأحكامه فيما بين الكلم، كما أن الاستعارة وسائر ضروب المجاز من مقتضيات النظم وعنها يحدث وبها يكون، وهذا يعني أنه لا يجوز فصل النحو عن البلاغة. لذا فإن دلائل الإعجاز تكون في معرفة الارتباطات النحوية بين الكلم من جهة، ومن جهة ثانية في معرفة ارتباط معاني الكلام بالموقف أو الحال الذي يقال فيه وبالسياق الكلامي الفعلي الذي يدخل فيه. وانطلاقاً من رأي الإمام الجرجاني في إعجاز القرآن، سأعمد إلى البحث في مسألة ترجمة القرآن إلى اللغات الأجنبية.
ثانياً- ترجمة القرآن:
نص القرآن الكريم صراحة على أنه (قرآن عربي) و (بلسان عربي مبين). "كتاب فصلت آياته قرآناً عربياً لقوم يعلمون" /فصلت –3/. "إنا أنزلناه قرآنا عربياً لعلكم تعقلون" /يوسف-2/ "وأنه تنزيل رب العالمين، نزل به الروح الأمين، على قلبك لتكون من المنذرين، بلسان عربي مبين" /الشعراء، 192 - 195/ " .. لسان الذي يلحدون إليه الإعجمي وهذا لسان عربي مبين .. " النحل –103/
وقد اتفق الفقهاء على أن (القرآن كلام الله، المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم المتعبد بتلاوته) (29). لذا فإن ترجمة القرآن إلى أي لغة غير العربية ليس قرآنا، سواء أكانت الترجمة حرفية أم معنوية.
أفرد الأستاذ مناع القطان فصلاً خاصاً لموضوع (ترجمة القرآن) (30) وميز فيه نوعين من الترجمة:
1 - الترجمة الحرفية. وهي نقل ألفاظ من لغة إلى نظائرها من اللغة الأخرى بحيث يكون النظم موافقاً للنظم.
2 - الترجمة التفسيرية أو المعنوية. وهي بيان معنى الكلام بلغة أخرى من غير تقيد بترتيب كلمات الأصل.
¥