3 ـ قال المعافى: ((شرح ما فيه من التأويل والقراءات في موضعه في كتبنا في علل التأويل والتلاوة إن شاء الله)).
4 ـ وقوله كذلك: ((وهذا كله مشروح مع تسمية من قرأ به، وحجج المختلفين فيه في كتبنا المؤلفة في حروف القرآن وتأويله)).
وكل هذه المواضع ـ وغيرها مما لم أقف عليها ـ تحتاج إلى دراسة موازنة، وهي مفيدة في تحرير مصطلح (علوم القرآن) عند المعافى أولاً، وفي تاريخ تطور هذا المصطلح ثانيًا.
فوائد من كتاب الجليس الصالح للمعافى:
الفائدة الأولى: رجحان ما في القرآن من البلاغة على الشعر
قال المعافى: ((حدثني محمد بن الحسين بن دريد، قال: أبو عثمان الأشنانداني، قال: أخبرني العتبي، قال: دخل الشعبي على عبد الملك، فقال: يا شعبي! أنشدني أحكم ما قالت العرب وأوجزه، فقال: يا أمير المؤمنين، قول امرىء القيس:
صبت عليه وما تنصب من أممٍ ... إن الشقاء على الأشقين مصبوب
وقول زهير:
ومن يجعل المعروف من دون عرضه ... يفره ومن لا يتق الشتم يشتم
وقول النابغة:
ولست بمستبقٍ أخاً لا تلمه ... على شعثٍ أي الرجال المهذب
وقول عدي بن زيد:
عن المرء لا تسأل وأبصر قرينه ... إن القرين بالمقارن يقتدي
وقول طرفة:
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلاً ... ويأتيك بالأخبار من لم تزود
وقول عبيد بن الأبرص:
وكل ذي غيبةٍ يؤوب ... وغائب الموت لا يؤوب
وقول لبيد:
إذا المرء أسرى ليلةً ظن أنه ... قضى أملاً والمرء ما عاش عامل
وقول الأعشى:
ومن يغترب عن قومه لا يزل يرى ... مصارع مظلومٍ مجراً ومسحبا
وقول الحطيئة:
من يفعل الخير لا يعدم جوازيه ... لا يذهب العرف بين الله والناس
وقول الحارث بن عمرو:
فمن يلق خيراً يحمد الناس أمره ... ومن يغو لا يعدم على الغي لائما
وقول الشماخ:
وكل خليل غير هاضم نفسه ... لوصل خليلٍ، صارمٌ أو معارز
فقال عبد الملك: حججتك يا شعبي بقول طفيل الغنوي:
ولا أخالس جاري في حليلته ... ولا ابن عمي غالتني إذاً غول
حتى يقال إذا دليت في جدثٍ ... أين ابن عوفٍ أبو قران مجعول
قال القاضي أبو الفرج: بيتا طفيل اللذان أنشدهما عبد الملك وفضلهما وزعم أنه حج الشعبي من أشعار الشعراء غير مقصر عنهما، ومن تأمل ما وصفنا وجده على ما ذكرنا، من غير أن يحتاج إلى تكلف تفسير ذلك، وإطناب في الاحتجاج له، فأما بيت الشماخ فإن معنى قوله: غير هاضم نفسه، أي حامل عليها لخليله والهضم: النقص، يقال: هضم فلانٌ فلاناً حقه أي نقصه، قال الله جل جلاله: " ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمنٌ فلا يخاف ظلماً ولا هضماً " وأما قوله: أو معارز، فالمعارز المتقبض، يقال: استعرز علي فلان إذا انقبض، وألقيت البضعة على النار فعرزت، وكأن الشماخ سلك سبيل النابغة في بيته الذي أنشده الشعبي في هذا الخبر، وأصل الغرض في هذه الجملة، على ما بين البيتين مما لأحدهما من الشف من تنقيح ألفاظ الشعر، وفضل استغناء أجزاء أحد البيتين على أجزاء الآخر، وأنا قائلٌ في هذا قولاً يبين صحته ويوضح حقيقته إن شاء الله، وأقول وبالله التوفيق: إن جملة الألفاظ للبيتين التي تجمعهما على معنى واحد، هو أن الذي يحفظ الأخوة بين الأخوين، ويحرس الخلة بين الخليلين أن يلم أحدهما صاحبه على شعثه ويهضم له نفسه، ومتى لم يفعل هذا لم يكن على ثقة من استبقائه وكان بعرض مصارمته، وانقباضه عنه ومعارزته، وبيت النابغة في هذا الباب أفحل وأوفى، وأجزل وأشفى، وقد كشف عن العلة فيما أتى به بقوله: أي الرجال المهذب، فأحسن العبارة عن هذا المعنى: " من تك يوماً بأخيك كله "، وقد نوه بيت النابغة هذا رواة الشعر ونقلته، ونقاده وجهابذته، واستحسنوا تكافؤ أجزائه، واستقلال أركانه، واشتماله على فقر قائمة بأنفسها، كافية كل واحدة منها، وهذا من النوع المستفصح، والفن المستعذب، من أعلى طبقات البلاغة، وقد أتى القرآن منه بالكثير الذي يقل ما أتى منه في الشعر إذا قيس إليه، فتبين للمميزين كثير فضل ما في القرآن عليه، فمن ذلك قول الله جل وعز: " فلذلك فادع واستقم كما أمرت ولا تتبع أهواءهم وقل آمنت بما أنزل الله من كتابٍ وأمرت لأعدل بينكم، الله ربنا وربكم، لنا أعمالنا ولكم أعمالكم لا حجة بيننا وبينكم، الله يجمع بيننا وإليه المصير " ولنا في هذا الباب رسالة أبنا فيها رجحان ما في القرآن من هذا الجنس على كثرته، على ما أتى منه في الشعر
¥