إذن السنة في حقيقتها هي سنة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فعلا وسنة القرآن من حيث الصياغة والأمر والقول "النص" فعندنا نظرية وعندنا تطبيق الاثنان موجودان.
هذا يجعل الأمر في غاية الوضوح .. ولكن متى بدأت المشكلة؟ المشكلة بدأت حينما جاء العقل الفقهي ووضع في اعتباره فرضية خاطئة فحواها "أن النصوص متناهية والوقائع غير متناهية .. ".
لا إنكار للسنة
*ولكن .. أستاذنا .. سيدور في أذهان الناس أن د. طه الذي يعد لهذا المشروع ويتحدث عن السنة بهذه الحماسة عند التطبيق يكون هناك موقف آخر من بعض نصوص السنة، فدعني أسألك سؤالا مباشرا وصريحا: هل تنكر السنة أو على الأقل الاحتجاج بها؟
- لا .. أعوذ بالله .. أعوذ بالله .. أنا أؤمن بكفر من ينكر الاحتجاج بالسنة، ومنكر السنة .. من قال هذا؟!
* إذن للسنة مكانتها في الحجية؟
- نعم .. السنة حجة لا يمكن الاستغناء عنها .. كيف يمكن الاستغناء عنها؟!!
* إذن دعني ألخص الخلاف حتى لا يتشعب عند البعض وأقول: الخلاف الآن في الأصل حول تحرير مفهوم السنة؟
- بالضبط هذا هو الإشكال .. أقصد أن الإشكال كله في المفهوم، بالنسبة لي مفهوم السنة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ينزل القرآن عليه فيدعو الكتَّاب يملي عليهم ما أوحي إليه، ثم يقوم في الناس مطبقا هذا الذي أوحي إليه ..
فإذا كان صلاة قال: "صلوا كما رأيتموني أصلي" وإذا كان حجا قال: "خذوا عني مناسككم فإني لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا"، وإذا كان خلقا فهو سيخالط الناس به، وإذا كان عقائد فهو سيبرزها لهم قولا وفعلا.
ومن فضل الله تبارك وتعالى أن كل أصناف النفاق والشرك كانت موجودة في عصره صلى الله عليه وسلم؛ الكفر بأنواعه، أهل الكتاب بأنواعهم، المنافقون بأنواعهم، فجميع الشبهات وأمور الرفض كانت موجودة في عهده صلى الله عليه وسلم، وبالتالي ينزل عليه القرآن وهو يعلم الناس ويقص على بني إسرائيل أكثر ما كانوا فيه يختلفون، ويكشف عن قلوب المنافقين وضمائرهم وما فيها .. إلى آخره.
لكن من ينكرون السنة يتيحون لأنفسهم التشريع؛ لأنهم أنكروا تطبيق النبي صلى الله عليه وسلم للقرآن، وأنا أعرف بعض من يسمون بالقرآنيين اليوم، منهم من يسجد على لحيته؛ على ذقنه، يستدلون بقوله تعالى: "يخرون للأذقان سجدا"؛ لأنهم فهموا يخرون للأذقان بهذا المعنى .. فهؤلاء لا يؤبه لهم.
* ترى إن كان هذا هو الأصل كما تقول فضيلتكم فما الذي خرج بالمفهوم عن أصله هذا؟
- أنا أقول لك .. مثلا في الفقرة 48 في كتاب الرسالة يقول الإمام الشافعي: "فليست تنزل بأحد من أهل دين الله نازلة إلا وفي كتاب الله الدليل على سبيل الهدى فيها"، وقال تعالى: "كتاب أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ" [إبراهيم: 1].
وقال: (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ) [النحل: 89]. وقال: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) [الشورى: 52] .. هذا قول الإمام الشافعي وأدلته على هذا.
لكن العقل الفقهي التعليمي الأكاديمي كان يريد أولا أن يغطي كل المساحات الفقهية المتوقعة، وقد حصل الخطأ بأن تصوروا أن القرآن نصوص محدودة وقالوا: "النصوص متناهية والوقائع غير متناهية" وهذه مقالة شائعة عندهم منذ القرن الثاني وانتشرت جدا في قرن التكوين الفقهي.
وقالوا أيضا: إن الأدلة هي الكتاب والسنة، ثم أضافوا الإجماع، ثم أضافوا القياس واستمرت عمليات الإضافة .. لماذا؟ لأن حديث معاذ، وهو (موضوع).
*تقصد أن حديث بعث النبي صلى الله عليه وسلم معاذا لأهل اليمن حديث موضوع؟
¥