- نعم هو حديث موضوع .. مروي عن مجاهيل من أهل حمص، ولا يمكن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أنزل عليه القرآن تبيانا لكل شيء يقول له: "فإن لم تجد"، ولكن هذا الحديث قد صُنِعَ، وللإمام ابن حزم كلام في غاية النفاسة في هذا الحديث، رفضه في "النبذ" وهو كتابه في أصول الفقه وفي "إحكام الأحكام" وفي غيرها، والصناعة الفقهية ظاهرة في الحديث.
وتأمله: "أرسل معاذا إلى اليمن وقال: بما تحكم؟ قال بكتاب الله، قال: فإن لم تجد! " لا يمكن لرسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه أنزل الكتاب أن يقول له فإن لم تجد، وكيف ينسجم هذا مع أقوال كثيرة نقلت عن الصحابة: "والله لو ضاع مني عقال بعير لوجدته في كتاب الله" ..
وأنا قد أخذت ما قاله ابن حزم ورأيت ما قاله صاحب إعلام الموقعين الذي لم يستطع أن يكذب ابن حزم ولا غيره من الأئمة النقاد، فقال: "إنه حديث تلقته الأمة بالقبول" .. هذا كلام فارغ .. الحديث إما أن يصح إسناده ويستقيم متنه ويتجاوز كل قواعد نقد المتون، وإما أن يلقى جانبا، أما أن يقال (تلقته الأمة بالقبول) من هي الأمة؟!
* تعني أن قبول الأمة بغير القواعد ليس له اعتداد؟
- نعم .. المفروض يقبله المتخصصون .. والمتخصصون هنا هم أهل الحديث، ولكن الصناعة الفقهية الغالبة على الفقهاء جعلتهم يقولون هذا، ولذلك ورثنا تلك القاعدة .. "أن السنة هي المصدر الثاني في التشريع .. " وهي خطيرة على الأذهان جدا؛ لأننا أوجدنا عقلية تراتبية.
*عفوا يا دكتور .. أعتقد أن المقصود بتلك المقولة -على حد علمي- ليس الترتيب، وإنما المقصود أن السنة كما تعلمنا بمثابة المذكرة التفسيرية للقرآن الكريم، تفصل المجمل وتشرح المبهم، فليس الجميع قادرين على فهم الأحكام من القرآن؟
- أنا متى أحكم أن الكتاب ليس فيه هذا الحكم؟ إذا أردت مني أن أحكم أن الكتاب لم يتناول هذا الحكم، فهذا يحتم عليَّ أن أجزم كأصولي وفقيه بأني استعرضت الكليات القرآنية كلها واستعرضت الجزئيات ولم أجد لهذه الواقعة مجالا لأن تندرج تحت كلية من الكليات أو جزئية من الجزئيات ..
وليس هناك عالم على وجه الأرض يجرؤ أن يقول: "كتاب الله لم يتناول هذا الأمر إطلاقا"، وحتى لو تناولنا قضايا عادية جدًا، لا يجرؤ على أن يقول ليس لها في كتاب الله أصل، مثلا يقول "خلق السموات والأرض ... " فيدرجها تحت قضية الخلق، يدخلها بدليل إبداع، بدليل خلق بدليل تشريع، بأي دليل "سنريهم آياتنا .. "، " .. ويخلق ما لا تعلمون" فهناك كليات وهناك جزئيات، ويمكن أن تجد الحكم الشرعي في الكليات.
*وأين موقع السنة هنا إذا؟
- تعليم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
* لا أنا أقصد في الاستدلال والاحتكام إليها وليس كمصطلح؟
- أنا في فهمي للقرآن أنني لا آتي إلى أي تشريع، أنا علي فقط أن أرى كيف طبق رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا القرآن، وما الذي قاله حوله، فحينما أرى صلاة النبي صلى الله عليه وسلم وصفتها، هذه هي الصلاة التي أمرني بها، حينما أرى صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم، فهذا هو الحج الذي أمرت به، وفي الزكاة كيف كان الرسول صلى الله عليه وسلم يزكي فذلك ما سوف آخذه .. رسول الله صلى الله عليه وسلم غزا خمسا وثلاثين غزوة في حياته كل أحكام الجهاد آخذها من هذا.
* يعني السنة العملية فقط؟
- نعم السنة التطبيقية العملية للقرآن الكريم، فهي غير منفصلة عنه، لا نفرق بين الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، فنجعل هناك سنة مستقلة في التشريع وسنة كذا ..
الأمر الآخر في الحديث .. أعني حديث معاذ .. فإن لم تكفهم السنة "فإن لم تجد؟ قال: أجتهد رأيي ولا آلو .. " طيب يا سيدي رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الموحى إليه، ومعاذ واحد من أصحابه وحديث عهد به، والبيئة اليمنية لا تختلف عن البيئة الحجازية، ما الذي يتوقع أن يختلف لهذه الدرجة بحيث لا يجد رسول الله صلى الله عليه وسلم لا في الكتاب من كلياته وعمومياته ولا في السنة؟
* وأيضا لأن الوحي لم ينته فالرسول صلى الله عليه وسلم ما زال حيا، وعادة القرآن أن ينزل منجما للوقائع والأحداث؟
¥