قالَ ابْنُ أَبِي زَمَنِينَ (ت:399هـ): (ثُمَّ قَالَ: {عَنِ النَّبَأِ العَظِيمِ * الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ}. يَعْنِي: البَعْثَ, اخْتَلَفَ فِيهِ المُشْرِكُونَ والمُؤْمِنُونَ؛ فآمَنَ بِهِ المُؤْمِنُونَ, وكَفَرَ بِهِ المُشْرِكُونَ).
قالَ زَيْنُ الدِّينِ الرَّازِيُّ (ت:666هـ): (فإنْ قِيلَ: لو كانَ النَّبَأُ العَظِيمُ الذي يَتَسَاءَلُونَ عنه ما ذَكَرْتُم لَمَا قالَ تعالَى: {الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ}؛ لأنَّ كُفَّارَ مَكَّةَ لم يَخْتَلِفُوا في أَمْرِ البَعْثِ، بَلِ اتَّفَقُوا على إِنكارِهِ؟.
قلنا: كانَ فيهم مَنْ يَقْطَعُ القَوْلَ بِإنْكَارِهِ، وفيهم مَنْ يَشُكُّ فيه ويَتَرَدَّدُ، فثَبَتَ الاختلافُ لأنَّ جِهَةَ الاخْتِلافِ لا تَنْحَصِرُ في الجَزْمِ بإِثباتِهِ والجَزْمِ بنفيِهِ.
الثاني: إنَّ بَعْضَهُمْ صَدَّقَ به فآمَنَ، وبَعْضَهُمْ كَذَّبَ به فبَقِيَ على كُفْرِهِ، فثَبَتَ الاختلافُ الإِثْبَاتُ والنَّفْيُ.
الثالِثُ: إنَّ الضَّمِيرَ في {يَتَسَاءَلُونَ} وفي {هُمْ} عائِدٌ على الفَرِيقَيْنِ مِنَ المُسْلِمِينَ والمُشْرِكِينَ، وكُلُّهُمْ كانوا يَتَسَاءَلُونَ عنه لِعِظَمِ شَأْنِهِ عِنْدَهُمْ، فَصَدَّقَ به المُسْلِمُونَ فأَثْبَتُوه، وكَذَّبَ به المُشْرِكُونَ فنَفَوْهُ).
قالَ نِظَامُ الدِّينِ القُمِّيُّ (ت:728هـ): (وتقديمُ الضميرِ، وبناءُ الكلامِ عَلَيْهِ لتقوِّي الكلامِ، لا للاختصاصِ؛ فإِنَّ غَيْرَ قريشٍ أيْضاً مُختلفونَ في أمْرِ البعْثِ:
فمِنْهُمْ مَن يُثْبِتُ الرَّوْحَانِيَّ في المَعَادِ فقَطْ.
ومِنْهُمْ مَن يَشُكُّ فِيهِ؛ كقولِهِ: {وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً}.
ومِنْهُمْ مَنْ يَقْطَعُ بعَدَمِ البَعْثِ؛ {إِنْ هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا}، كانَ يَسْأَلُ بَعْضُهُمْ بعضاً عَن القيامةِ، ويَتَحَدَّثونَ عَنْهَا متعجِّبِينَ مِن وُقُوعِها).
قالَ ابْنُ كَثِيرٍ (ت:774 هـ): (قالَ قَتادَةُ وابنُ زَيْدٍ: النَّبَأُ العَظِيمُ: البَعْثُ بَعْدَ المَوْتِ. وقالَ مُجاهِدٌ: هو القُرْآنُ. والأَظْهَرُ الأَوَّلُ؛ لقَوْلِه: {الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ}. يعني: النَّاسُ فِيهِ علَى قَوْلَيْنِ؛ مُؤْمِنٌ بِهِ وكَافِرٌ).
قالَ ابنُ عَادِلٍ (ت:880هـ): (وقالَ قَتَادَةُ: ((هُوَ البَعْثُ بَعْدَ الْمَوْتِ اختَلَفُوا فيه، فَمُصَدِّقٌ وَمُكَذِّبٌ))).
قالَ الشَّوْكَانِيُّ (ت:1250هـ): (وَأيضاً فَطَوَائِفُ الكفَّارِ قدْ وَقَعَ الاختلافُ بينَهُم في البعثِ، فَأَثْبَتَ النصارَى المعادَ الروحانيَّ، وَأَثْبَتَتْ طَائِفَةٌ مِنَ اليهودِ المعادَ الجُسْمَانِيَّ، وَفي التوراةِ التصريحُ بلفظِ الجنَّةِ باللغةِ العبرانيَّةِ بلفظِ جَنْعِيذَا بِجِيمٍ مَفْتُوحَةٍ، ثمَّ نونٍ سَاكِنَةٍ، ثمَّ عينٍ مكسورةٍ مُهْمَلَةٍ، ثمَّ تَحْتِيَّةٍ ساكنةٍ، ثمَّ ذَالٍ مُعْجَمَةٍ بَعْدَهَا ألفٌ.
وَفي الإِنجيلِ في مواضعَ كثيرةٍ التصريحُ بالمعادِ، وَأنَّهُ يكونُ فيهِ النعيمُ للمُطِيعِينَ وَالعذابُ للعاصِينَ، وَقدْ كانَ بعضُ طوائفِ كفَّارِ العربِ يُنْكِرُ المعادَ كَمَا حَكَى اللَّهُ عنْهُمْ بِقَوْلِهِ: {إِنْ هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلاَّ الدَّهْرُ وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ}.
وَكانتْ طائفةٌ منهم غيرَ جَازِمَةٍ بِنَفْيِهِ، بلْ شَاكَّةً فيهِ كَمَا حَكَى اللَّهُ عنهم بقولِهِ: {إِنْ نَظُنُّ إِلاَّ ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ}. وَما حَكَاهُ عنهم بقولِهِ: {وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى}. فقدْ حَصَلَ الاختلافُ بينَ طوائفِ الكفرِ على هذهِ الصفةِ).
ذكره: صِدِّيق حَسَن خَان
قالَ الشَّوْكَانِيُّ (ت:1250هـ): (وَأمَّا البعثُ فقدِ اتَّفَقَ الكفَّارُ إِذْ ذاكَ على إِنكارِهِ، وَيُمْكِنُ أنْ يُقَالَ: إِنَّهُ قَدْ وَقَعَ الاختلافُ في البعثِ في الجملةِ، فَصَدَّقَ بهِ المؤمنونَ وَكَذَّبَ بهِ الكافرونَ، فقدْ وَقَعَ الاختلافُ فيه مِنْ هذهِ الحَيْثِيَّةِ، وَإِنْ لمْ يَقَع الاخْتِلافُ فيهِ بينَ الكفَّارِ أَنْفُسِهِمْ على التسليمِ وَالتَّنَزُّلِ).
ذكره: صِدِّيق حَسَن خَان
أن تخصيص اسم العظيم بيوم القيامة أليق
قالَ الرَّازِيُّ (ت:604هـ): (وثالثُها: أنَّ العظيمَ اسمٌ لهذا اليومِ، بدليلِ قولِه: {أَلا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ لِيَوْمٍ عَظِيمٍ يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [المطففين: 4] وقولِه: {قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ} [ص: 68] ولأن هذا اليومَ أعظَمُ الأشياءِ؛ لأنَّ ذلك مُنْتَهَى فَزَعِ الخلْقِ وخوفِهم منه، فكان تخصيصُ اسمِ العظيمِ به لائقًا).
أن أكثر تساؤل المشركين كان عن أمر البعث
قالَ البَيْضَاوِيُّ (ت:691هـ): (والضميرُ لأهْلِ مَكَّةَ، كانوا يَتساءلون عن البَعْثِ فيما بينَهم).
قالَ ابنُ جَمَاعَةَ (ت:733هـ): (كَانُوا يَتَسَاءَلُونَ عَنِ الْبَعْثِ فِيمَا بَيْنَهُمُ اسْتِهْزَاءً).
قالَ الشَّوْكَانِيُّ (ت:1250هـ): (وَمِمَّا يَدُلُّ على أَنَّهُ البعثُ أَنَّهُ أَكْثَرُ ما كانَ يَسْتَنْكِرُهُ المشركونَ وَتَأْبَاهُ عُقُولُهُم السَّخِيفَةُ).
ذكره: صِدِّيق حَسَن خَان
دلالة الردع والتهديد بعده
قالَ نِظَامُ الدِّينِ القُمِّيُّ (ت:728هـ): (والنبأُ العظيمُ: القِيامةُ؛ بدليلِ الردْعِ عَن الاختلافِ، وللتهديدِ بَعْدَهُ).
دلالة موضوع السورة
قال مساعد الطيار: (ولكن يشهد له موضوع السورة، إذ موضوعها في البعث، والله أعلم).
ذكر ما ضُعِّفَ به القول الثاني:
قال مساعد الطيار: (أما من قال: هو البعث، وهو قولُ قتادة وابن زيد، فلم يرد عنهم وقوع الاختلاف فيه، بل هم مُنكرون له).
قلت: (راجع ما تقدم بعنوان: أن يوم القيامة قد وقع فيه الاختلاف، ثم إن معنى الاختلاف مختلف فيه على سبعة أقوال فيما أحصيت والله تعالى أعلم)
¥