قالَ الرَّازِيُّ (ت:604هـ): (القولُ الثالثُ: أنَّ النبأَ العظيمَ هو نُبُوَّةُ محمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قالُوا: وذلك لأنه لَمَّا بُعِثَ الرسولُ عليه الصلاةُ والسلامُ جَعَلوا يَتساءلون بينَهم: ماذا الذي حَدَثَ؟ فأَنْزَلَ اللهُ تعالى: {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ}. وذلك لأنهم عَجِبُوا مِن إرسالِ اللهِ مُحَمَّدًا عليه الصلاةُ والسلامُ إليهم، كما قالَ تعالى: {بَلْ عَجِبُوا أنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ} [ق: 2] وعَجِبُوا أيضًا أنْ جاءَهم بالتوحيدِ كما قالَ: {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} [ص: 5] فحَكَى اللهُ تعالى عنهم مُساءَلَةَ بعضِهم بعضًا على سبيلِ التَّعَجُّبِ بقولِه: {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ}).
قالَ القُرْطُبِيُّ (ت:671هـ): (ورَوَى الضَّحَّاكُ عن ابنِ عبَّاسٍ قَالَ: وذلكَ أنَّ الْيَهُودَ سأَلُوا النبيَّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ عنْ أشْيَاءَ كَثِيَرةٍ، فَأَخْبَرَهُ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ باخْتِلاَفِهِمْ).
قالَ الخََازِنُ (ت:725هـ): (وذلكَ أنَّ النبيَّ صلى اللَّهُ عليهِ وسلم لمَّا دعاهُم إلى التوحيدِ، وأخبرَهم بالبعثِ بعدَ الموتِ، وتلا عليهم القرآنَ، جعلُوا يتساءلونَ فيما بينهم، فيقولُ بعضُهُم لبعضٍ: ماذا جاءَ بهِ محمَّدٌ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ؟).
قالَ نِظَامُ الدِّينِ القُمِّيُّ (ت:728هـ): (وقِيلَ: نُبُوَّةُ مُحَمَّدٍ، كانوا يَقولُونَ: ما هَذَا الَّذِي حدَثَ {بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ}).
قالَ ابنُ عَادِلٍ (ت:880هـ): (وَرُوِيَ عنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا إِنَّهُ أَمْرُ النَّبِيِّ صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّمَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا بُعِثَ سأَلَهُ الْيَهُودُ عن أَشْيَاءَ كثيرةٍ، فأَخْبَرَهُ اللَّهُ باختلافِهِمْ، وأيضًا فجعَلَ الْكُفَّارُ يَتَسَاءَلُونَ فيما بَيْنَهُمْ، ما هذا الَّذِي حدَثَ؟ فأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالى: {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ} وَذَلِكَ أَنَّهُمْ عَجِبُوا من إِرْسالِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قالَ تَعَالَى: {بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ} [ق: 2]، وَعَجِبُوا أنْ جاءَهُمْ بالتَّوْحِيدِ أيضًا كما قالَ تعَالَى: {أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} [ص: 5]، فَحَكَى اللَّهُ -تَعَالَى– عن مَسْأَلِةِ بَعْضِهِمْ على سبيلِ التَّعَجُّبِ بقولِهِ: {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ}).
ـ[جليسة العلم]ــــــــ[26 Feb 2008, 01:37 ص]ـ
القول الرابع: جميع ما تقدم
قالَ عَطِيَّة سَالِم (ت:1420هـ): (وَلَكِنْ بَقِيَ بَيَانُ هَذَا النبأِ الْعَظِيمِ مَا هُوَ؟
فَقِيلَ: هُوَ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْثَتِهِ لَهُمْ.
وَقِيلَ: فِي الْقُرْآنِ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَيْهِ يَدْعُوهُمْ بِهِ.
وَقِيلَ: فِي الْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ.
وَقَدْ رَجَّحَ ابْنُ جَرِيرٍ احْتِمَالَ الْجَمِيعِ وَألاَّ تَعَارُضَ بَيْنَهَا.
وَالْوَاقِعُ أَنَّهَا كُلُّهَا مُتَلاَزِمَةٌ؛ لأَنَّ مَن كَذَّبَ بِوَاحِدٍ مِنْهَا كَذَّبَ بِهَا كُلِّهَا، وَمَن صَدَّقَ بِوَاحِدٍ مِنْهَا صَدَّقَ بِهَا كُلِّهَا، ومَن اخْتَلَفَ فِي وَاحِدٍ مِنْهَا لاَ شَكَّ أنه يَخْتَلِفُ فِيهَا كُلِّهَا، وَلَكِنَّ السِّيَاقَ فِي النبأِ وَهُوَ مُفْرَدٌ، فَمَا الْمُرَادُ بِهِ هُنَا بِالذَّاتِ؟
قالَ ابْنُ كَثِيرٍ وَالْقُرْطُبِيُّ: مَن قَالَ: إنَّه الْقُرْآنُ؛ قالَ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: {قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ}
وَمَن قَالَ: إنه الْبَعْثُ؛ قالَ بِدَلِيلِ الْآتِي بَعْدَهَا: {إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتاً}.
وَالَّذِي يَظْهَرُ واللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ: أنَّ أَظْهَرَها دَلِيلاً هُوَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ وَالْبَعْثِ؛ لأَنَّهُ جَاءَ بَعْدَهُ بدلائِلِ وَبَرَاهِينِ الْبَعْثِ كُلِّهَا، وَعَقَّبَهَا بِالنَّصِّ عَلَى يَوْمِ الْفَصْلِ صَراحةً: أمَّا بَرَاهِينُ الْبَعْثِ فَهِيَ مَعْلُومَةٌ؛ أَرْبَعَةٌ: خَلْقُ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتِ، وَإِحْيَاءُ الأَرْضِ بالنباتِ، وَنَشْأَةُ الإِنْسَانِ مِنَ الْعَدَمِ، وَإِحْيَاءُ الْمَوْتَى بِالْفِعْلِ فِي الدُّنْيَا لِمُعَايَنَتِها، وَكُلُّهَا مَوْجُودَةٌ هُنَا).
قلت: (المراد من إيراد قول عطية سالم ها هنا، تضمنه لحكاية الجمع عن ابن جرير، وإلا فهو يرجح أن المراد بالنبأ العظيم: البعث).
ـ[جليسة العلم]ــــــــ[26 Feb 2008, 01:39 ص]ـ
القول الخامس: المراد كل نبأ عظيم أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم
قالَ ابْنُ عَاشُورٍ (ت:1393هـ): (والتعريفُ في {النَّبَأِ} تَعريفُ الْجِنْسِ؛ فيَشملُ كلَّ نَبأٍ عظيمٍ أنْبَأَهُمُ الرسولُ صَلَّى اللهُ علَيْهِ وسَلَّمَ به، وأوَّلُ ذلك إِنباؤُه بأنَّ القرآنَ كلامُ اللهِ، وما تَضَمَّنَهُ القُرآنُ مِن إبطالِ الشِّرْكِ، ومِن إِثباتِ بعْثِ الناسِ يومَ القِيامةِ، فما يُرْوَى عن بعْضِ السَّلَفِ مِن تَعيينِ نَبَأٍ خاصٍّ يُحمَلُ على التَّمثيلِ. فعَنِ ابنِ عبَّاسٍ: هو القُرآنُ، وعن مُجاهِدٍ وقَتَادَةَ: هو البعْثُ يومَ القِيامةِ.
وسَوْقُ الاِستدلالِ بقولِه: {أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا} إلى قولِه: {وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا} يدُلُّ دَلالةً بَيِّنَةً على أنَّ الْمُرادَ مِنَ {النَّبَأِ الْعَظِيمِ} الإنباءُ بأنَّ اللهَ واحِدٌ لا شَريكَ له).
تنبيه:
قالَ نِظَامُ الدِّينِ القُمِّيُّ (ت:728هـ): (وقالَتِ الشِّيعةُ: هُوَ عَلِيٌّ، قالَ القائِلُ في حقِّهِ: هُوَ النبأُ العظيمُ، وفُلْكُ نُوحٍ، وبابُ اللَّهِ، وانْقَطَعَ الخِطابُ). [غرائب القرآن: 30/ 6] [هكذا في المطبوع، ولعله: فصل الخطاب]
¥