تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

4 الأمثال والقصص التي تضمنت " نماذج لنهوض الأمم وعللت أسباب النهوض، وقدمت نماذج لعوارضه وأمراضه، وبينت طريق السقوط، والانقراض الحضاري. وقدمت نماذج للطغيان والظلم السياسي، وطرق حماية المسلم من السقوط على أقدام الظلمة، وبينت مآل هذا السقوط وعواقبه، وقدمت نماذج للظلم والطغيان الاجتماعي، والمصير الذي انتهى إليه .. قدمت نماذج للترف والبطر، والكبر، وسائر الأمراض والأوبئة الاجتماعية المؤذنة بالخراب والتدمير."

وإذا تساءلنا من المؤهل للكشف عن كل هذا، سيكون الجواب الاتجاه الاجتماعي في التفسير، ولكن بالمقابل لا يمكن أن ينخرط فيه إلا من له إلمام واهتمام بالعلوم الاجتماعية ليلتقط الإشارات المبثوثة في النص القرآني،لكن دون أن يكون أسيرا لهذه العلوم الاجتماعية و إلا صار عمله بحثا عن الشواهد والأدلة لما قاله الناس.

3 ـ الاتجاه الاجتماعي في التفسير

يشهد الاتجاه الاجتماعي في التفسير على تطور علم التفسير الذي يشهد هو الآخر لربانية القرآن الكريم الذي لا تنقضي عجائبه ولا يبلى على كثرة الرد. لا يمكن أن يستوعب كل معانيه جيل مهما كان يقول الدكتور محسن عبد الحميد:"من المحال على البشرية أن تفهم كمالات القرآن الكريم في نواحي الوجود كلها في عصر واحد، إذ أن باستطاعة كل عصر أن يضيف إلى تفسير الآيات المتعلقة بتلك الموضوعات مما يستجد أمامه من العلوم والمعارف " والمتتبع لتطور التفسير يلحظ بيسر مدى الاستجابة لحاجات المجتمع بحيث يمكن عد إتجاهات التفسير ترجمة لأسئلة ثقافية وفكرية تشغل المجتمع بحيث يكون عمل المفسر شاهدا على مختلف اهتمامات المجتمع و انشغالاته. إلا أن الأمر يتفاوت قوة وضعفا بحسب درجة ارتباط المجتمع بالقرآن، وعلى قدر تلك الدرجة يكون ارتباط التفسير بالمجتمع. وقوة هذا الاتجاه أو ذاك من اتجاهات التفسير من اكبر عناصرها مدى الارتباط بالمجتمع وبقضاياه.

ثم إن تعريف التفسير كما هو متداول عند أكثر علماء التفسير يتسع لهذا الإثراء. وهذا من أهم ما ينبغي أن يحمد لعلمائنا حين وضعوا تعاريف مرنة تعبر حقيقة عن تصورهم لعلم التفسير مما يجعل المطلوب هو التفعيل بمنطق الاستمرارية عوض التعطيل بوهم القطيعة. شتان بين أن ينطلق الباحث من انه يراكم في عملية التفسير وبين أن ينطلق انه يؤسس في أمر تجاوز التأسيس.

فعلم التفسير كما هو في الاصطلاح يتسع ليشمل الاتجاه الاجتماعي في التفسير ما دام المدار في تعريف التفسير على الكشف عن مراد الله تعالى، فقد ذكر صاحب البرهان أن "التفسير علم يُفهم به كتاب الله المنزل على نبيه محمد وبيان معانيه واستخراج أحكامه وحكمه" وعرف الأصبهاني التفسير بقوله: "اعلم أن التفسير في عرف العلماء كشف معاني القرآن، وبيان المراد أعم من أن يكون بحسب اللفظ المشكل وغيره، وبحسب المعنى الظاهر وبغيره." وإذا تأملنا تعريف العلماء للتفسير وجدناه مداره على بيان المراد من كلام الله سبحانه وبهذا المعنى يمكن أن نعد كل ما يمكن أن يحصل به هذا البيان تفسيرا.

ومن أهم مبررات قيام إتجاه اجتماعي للتفسير كما تقدم المساحة الواسعة التي تغطيها القضايا الاجتماعية والأحكام التي تضبطها في القرآن الكريم، ويلحق بذلك الأمثال و القصص والسنن وغيرها، مما يشكل منجما زاخرا بالمعارف الاجتماعية من شأنه أن يفتح ميدانا واسعا للتفكير الاجتماعي في القرآن الكريم.

حين نبحث هذا المجال في القرآن الكريم نقف على آفاق واسعة تكشف عن نواميس الاجتماع الثابتة وسننه المطردة، ومعرفة الأصول التي تقوم عليها الجماعات والوسائل التي تحفظ وجودها وتضمن ارتقاءها أو تفصم عرى ترابطها، على الوجه الذي بينه القرآن الكريم، وقد تمكننا أيضا من معرفة منهج القرآن في تطوير المجتمع واستئصال آفاته. والمبرر لذلك كله كون القرآن لصيق بالظاهرة الإنسانية والاجتماعية، إذ القرآن في مجمله إما حديث عن الإنسان أو حديث إليه.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير